تتواصل الانتهاكات الأمنية في السجون المصرية، إذ شهدت البلاد، الأسبوع الماضي، عدة حوادث وصفت بـ"المأساوية"، شملت إعدامًا لشابين في شمال غرب البلاد، فضلًا عن وفاة معتقل آخر تحت التعذيب في أحد أقسام الشرطة بالقاهرة. وذلك في ظل الأزمات الاقتصادية والضغوط الإقليمية التي تواجهها البلاد.

 

"4 وفيات وانتحار في أسبوعين"

شهد إبريل الجاري 4 حالات وفاة خلال أسبوعين فقط هم: ياسر خشاب، ومحمد حسن هلال، وعبد الفتاح محمد عبيدو، ومحمد عبد الرازق، ما يرفع عدد وفيات السجون ومراكز الاحتجاز مع بداية العام الجاري إلى 11 حالة فيما شهد العام الماضي، وفاة أكثر من 50 معتقلا سياسيا، جرت أغلبها بفعل الإهمال الطبي.

والاثنين الماضي، وثّق مركز "الشهاب لحقوق الإنسان" وفاة المعتقل السياسي ياسر خشاب (50 عامًا)، من محافظة دمياط شمال البلاد، داخل سجن "وادي النطرون الجديد"، نتيجة ما وصفه المركز بـ"الإهمال الطبي المتعمّد".

"الشهاب"، طالب النائب العام بفتح تحقيق بالواقعة، موضحًا أنّ: "خشاب كان بحاجة لإجراء عملية قلب مفتوح منذ عامين، غير أن جهاز الأمن الوطني رفض نقله لمستشفى "قصر العيني"، بذريعة وجود مركز طبي بمجمّع السجون"، ملمحًا إلى أنّ: "المعتقلين يطلقون عليه اسم "المركز القاتل"، وعلى الأطباء العاملين فيه: جزارين".

تجدر الإشارة إلى أن وفاة خشاب، تأتي عقب أيام من توثيق منظمات حقوقية لوفاة المعتقل محمد حسن هلال، نتيجة الإهمال الطبي المتعمد في "سجن بدر 3". وهي الواقعة التي تبعها إضراب عن الطعام من قبل المعتقلين السياسيين، والذي قابله أمن السجون والأمن الوطني بـ"سجن بدر"، بإجراءات قاسية بحق المعتقلين.

وهي الإجراءات التي طالت المعتقل علاء جمال، (29 عامًا) من محافظة المنيا، بوضعه في زنزانة انفرادية ومنع الزيارة عنه، ما أدى لانتحار الشاب المعتقل منذ 3 سنوات والمحكوم بالسجن 15 عامًا، الاثنين الماضي، بـ"سجن بدر 3"، الذي يصفه معتقلون بأنه "صيدنايا مصر".

وفي 13 إبريل الجاري تداول نشطاء خبر محاولة المعتقل محمود عبد الله، (29 عامًا)، الانتحار حرقًا، بسبب الإهمال الطبي وتجاهل إدارة سجن "بدر 3" لحالته الصحية، المتدهورة منذ اعتقاله عام 2015، وإخفائه قسرًا لـ7 أشهر.

وفي 4 إبريل الجاري، كشفت "رابطة أسر المعتقلين"، عن وفاة المعتقل عبد الفتاح محمد عبد المقصود عبيدو، المعلم بالأزهر الشريف، بسجن "جمصة شديد الحراسة"، بعد تدهور حالته الصحية وعدم تلقيه الرعاية الطبية اللازمة مدة عام ونصف قضاها في محبسه.

 

"انتحار بعد الاعتقال"

الموت والانتحار، صار اضطرارًا قد يتخذه بعض المعتقلين حتى بعد إخلاء سبيلهم، ففي 13 إبريل الجاري، خرج المعتقل السابق سامح سعودي في بث مباشر عبر "فيسبوك" بمحاولة انتحار، بقطع شرايين يده على الهواء، قائلًا إنه: "سئم من الحياة بعد تجربة اعتقاله المتكررة"، فيما جرى نقله إلى المشفى لإنقاذه.

وسبقه، في 20 فبراير الماضي، إنهاء الشاب مصطفى محمد مصطفى، (22 عامًا)، حياته، في بث مباشر من محافظة الدقهلية، وذلك بعد اعتقاله وتعرضه للتعذيب مدة 37 يومًا، حيث دفعته قسوة الحياة بعد الاعتقال للانتحار بعد شهور من إخلاء سبيله.

ويعدّ ملف المعتقلين السابقين من الملفات المهملة حيث يعانون من الكثير من الأزمات الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية، مع "الرقابة الأمنية اللصيقة ورصد كل من يزور المعتقل ببيته والخوف من الاعتقال مجددا".

"فقدان الوظيفة، ومصادر الدخل، وغلق أبواب العمل، وتكاثر الديون، والأزمات الصحية التي لازمت المعتقل، وابتعاد الأصدقاء والأقارب، وفقدان الأمل"، من الأسباب التي قد تؤذي النفسية، وفقًا لقول المعتقل السابق محمد محمود، وفقًا لـ"عربي21".

وفي مقابل تلك الأوضاع، تعيش آلاف الأسر حالة من الخوف الشديد على مصير أبنائها المعتقلين وسط فقدان الأمل في إطلاق سراحهم في ظل وجود نظام قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، وفق تأكيد بعض ذوي المعتقلين.

 

"ألم لا يوصف بالكلمات"

تقول الطبيبة النفسية، نهى قاسم، إنّ: "الوضع في بيوت المعتقلين وفي السجون عصيب جدًا، وحقًا لا يوصف بالكلمات".

المعتقلة السابقة، في يناير 2018، والتي أفرج عنها بعد 11 شهرًا، والمعتقل زوجها محمود عبد المؤمن منذ مارس 2015، وصفت وضع المعتقلين وذويهم بالقول: "هي ليست حالة فقدان أمل بقدر ما هي تعبير عن حجم وصعوبة المعاناة واستمرارها".

وحول أعداد المعتقلين الذين قضوا أكبر مدة منذ اعتقالهم عام 2013، بما يهدد حياتهم، أضافت مؤسسة جمعية سكينة لعلاج ضحايا الأزمات النفسية: "لا أظن (بحسب علمي) أن هناك إحصائيات متكاملة دقيقة في أي مكان، فكل العمل الحقوقي في مصر متقطع كثيرًا ومهدد دومًا".

وأوضحت أن "السنوات كثيرة والسجون كثيرة والحركة دوما ما بين خروج بضعة معتقلين واعتقال جديد لمئات آخرين، وتدوير المعتقلين في قضايا جديدة وخلافه يجعل أي عملية حصر دقيقة صعبة جدًا".

 

"لا محاسبة ولا عقاب"

في قراءته لما وراء تصعيد عمليات الأمن ضد المواطنين في مطروح، والقاهرة، والوراق، ومراكز الاحتجاز والسجون وحتى المصانع والشركات، قال الحقوقي، خلف بيومي، إنّ: "تجاوزات الشرطة لم تتوقف".

مدير مركز "الشهاب لحقوق الإنسان" أوضح أنّ: "المتابع لانتهاكات الأقسام ومراكز الاحتجاز يوقن بأن الشرطة أمنت العقاب فأساءت الأدب مع كل الشعب، وليس الأمر مع السياسي المعارض فقط، بل أكثر مع الجنائي".

وأشار إلى جرائم سابقة لم يحاكم مرتكبوها، مثل "واقعة سيارة ترحيلات أبوزعبل، 18 أغسطس 2013، والتي راح ضحيتها 38 مصريًا حرقًا، وبعد 5 سنوات من الجريمة أدين الضابط عمرو فاروق بالسجن 5 سنوات قبل تخفيف الحكم من 10 سنوات".

ولفت إلى "مقتل المحامي كريم حمدي، بقسم شرطة المطرية بالقاهرة، 25 فبراير 2015، وتبرئة الضباط المسؤولين عن مقتله تحت التعذيب في 13 مايو 2018".

وألمح أيضًا إلى "جريمة مقتل البائع المتجول مجدي مكين، مع التعذيب بقسم شرطة الأميرية بالقاهرة الكبرى، 13 نوفمبر 2016، وإخلاء جنايات القاهرة في 7 إبريل 2017 سبيل الضابط المتهم بكفالة مالية 5 آلاف جنيه".

إلى ذلك، يرى بيومي، أنّ: "حادثة تصفية الأمن لشابين من مرسى مطروح تمثل تعبيرًا صارخًا عن استهانة الشرطة بأرواح المصريين، وأنها قتلت الشابين بدم بارد". مؤكدًا أنها "لن تتوقف عن ذلك طالما أنه لا محاسبة ولا عقاب".

ولفت إلى أنّ: "أمن السجون قتلوا محمد هلال بسجن (بدر 3)، وتسبب ضغطهم على المعتقل علاء جمال، حتى وصل به الأمر للانتحار، لأنه فقد الإحساس بالعدالة".

وخلص للقول إنّ: "الشرطة صارت أداة قمع وتجبر وطغيان؛ ولن تتراجع، لأنها تعيش في جو كله فساد وقتل وظلم؛ وليس هناك أمل طالما أن رجل الشرطة لم يترب على احترام الإنسان وحقوقه، ويعلم أن ذلك حق للمواطن وليس منةً أو منحةً منه".