في خطوة هي الأولى منذ 4 سنوات، قررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، الخميس الماضي، خفض أسعار الفائدة الرئيسة بواقع 225 نقطة أساس دفعة واحدة، أي بنسبة 2.25 بالمائة، ما أثار تساؤلات مراقبين وخبراء حول أسباب اتخاذ هذا القرار في مثل هذا التوقيت، ونتائجه وتبعاته على الاقتصاد الكلي والمواطنين.

وكان آخر خفض من المركزي المصري لسعر الفائدة على الجنيه في 12 نوفمبر 2020، وبنسبة 0.5 بالمئة، قبل أن يعاود البنك الذي يعمل في ثاني أكبر اقتصاد عربي وإفريقي رفع وتيرة سعر الفائدة بإجمالي 1900 نقطة أساس من مارس 2022 حتى مارس 2024.

وقالت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، أمس الأول الخميس، إن الربع الأول من عام 2025 شهد انخفاضًا ملحوظًا في التضخم السنوي، حيث تراجع التضخم العام والأساسي إلى 13.6 بالمئة و9.4 بالمئة في مارس 2025 على التوالي، "ويعزى هذا الانخفاض إلى تراجع التضخم السنوي للسلع الغذائية وتباطؤ تضخم السلع غير الغذائية، بالإضافة إلى تحسن توقعات التضخم".

 

خفض الدين وتآكل الودائع

ويشير خبراء إلى أنه بقياس الفارق بين معدل "الفائدة" ومعدل "التضخم" تبلغ معدلات "الفائدة الحقيقية"، نحو 11.4 بالمئة، وذلك بعد طرح معدل "الفائدة الاسمي" وهو 25 بالمئة من معدل "التضخم" البالغ 13.6 بالمئة.

وأشاد البعض بالقرار واعتبروه خطوة تصحيحية متأخرة، راصدين تأثيره الإيجابي على خفض نسب الدين العام المصري وخدمته من أقساط وفوائد ومتأخرات، مؤكدين أن خفض الفائدة بنسبة 2.25 بالمئة يقلص تكلفة ديون مصر بنحو 175 مليار جنيه سنويًا.

وأشاروا إلى أن تقديرات الموازنة للعام المالي (2024-2025)، أظهرت أن زيادة الفائدة بنسبة 1 بالمئة تكلف الموازنة من 75 إلى 80 مليار جنيه سنويًا، بتكلفة الدين.

وفي الموازنة الجديدة (2025-2026) التي عرض بيانها المالي وزير المالية أحمد كوجك، الأسبوع الماضي أمام مجلس النواب، بلغ بند الفوائد "الديون وخدمة الدين" وحده أكثر من نصف الموازنة بنحو 2298 مليار جنيه وبنسبة 50.2 بالمئة.

 

آثار إيجابية وأخرى سلبية

قال الخبير الاقتصادي والأكاديمي الدكتور أحمد ذكر الله، إن "ارتفاع سعر الفائدة في معظم ما يتداول من الحكومات المختلفة يكون للمواءمة بين سعر الفائدة السائد، ومعدل التضخم السائد في الدولة، وبالتالي فإن انخفاض معدلات التضخم كما تقول الحكومة الفترة الماضية، هو الداعي الأساسي لخفض سعر الفائدة بواقعة 2.25 نقطة".

أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أضاف أن "للقرار آثار إيجابية وأخرى سلبية، الإيجابية منها ستكون على مستوى الاستثمار المحلي"، مشيرا "لشكاوى كثير من رجال الأعمال من أن سعر الفائدة الذي يزيد عن 20 بالمئة يكون له تداعيات سلبية كبيرة على التكاليف، وأنهم لا يستطيعون الاستمرار في ظل هذه التكاليف المرتفعة بسبب سعر الفائدة".، وفقًا لـ"عربي21".

على جانب الآثار السلبية، أشار "استشارى التدريب ودراسات الجدوى"، إلى "رأس المال الساخن الذي يقدر بما نحو 40 مليار دولار، والذي أتى للبلاد خلال الفترة الماضية"، موضحا أن "هذا الحجم الكبير من تلك الأموال هو الذي يساند حجم النقد في مصر من العملة الأجنبية في ظل العجز الدولاري المعروف مع عجز الميزان التجاري".

وبين أنه "بالتالي فإن المكمل الذي يأتي من الخارج عبر أدوات الدين المحلية هو الذي يساند قيمة الدولار إلى حد كبير؛ وأنه في ظل انخفاض سعر الفائدة ستكون هناك أسواق تنافسية مع مصر على سحب الأموال الساخنة إلى بلاد منافسة مثل الأرجنتين، وتركيا، وغيرهما".

السلبية الأخرى بحسب، ذكرالله، "ستكون على المودعين والمدخرين الذين اعتادوا وضع أموالهم بودائع بنكية ليتمتعوا بهذه الفوائد المرتفعة، والتي تحافظ لهم على نسبة من قيمة مدخراتهم، في ظل انخفاض متوالي لقيمة العملة المحلية المصرية".

وأكد أنه "بالتالي فإن هؤلاء أيضًا سيتضررون بالفترة القادمة، لاسيما وأنهم اعتادوا هذا الأمر منذ سنوات طويلة، وأنهم لا يُقبلون على نوع من أنواع الاستثمار، ولا يوجد أي أوعية استثمارية تستطيع أن تستقبل أموالهم أو يثقون بأن يودعونها بها بخلاف الودائع البنكية".

 

لصالح الاقتصاد الكلي

وفي قراءته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد خزيم، إن "خفض معدلات الفائدة يؤثر على عوائد صغار المودعين؛ ولكن هذا التأثير في الاقتصاد الكلي الذي سيصيب نوع من انخفاض الدخل لبعض صغار المودعين سيفيد بعض المنشآت، ونتمى المزيد من تحقيق هذه الخطوة، لأنها بصالح الاقتصاد الكلي وتعود على المنشآت الصناعية المحملة بأعباء مالية كبيرة جدا نتيجة الاقتراض".

المستشار المالي، لفت ثانيًا إلى أنها "بهذا التخفيض تقوم بعملية لتحريك للأسواق، وخاصة أن الفارق النسبي بين ودائع صغار المودعين والإضافة التي يمكن يضيفها القرار أو الإفاقة التي قد يحدثها ببعض المشروعات الصناعية والزراعية، ستؤدي لتعويض جزء من الخسائر أو امتصاص قدر من البطالة أو تخفض أسعار بعض المنتجات".

رئيس "منتدى التنمية والقيمة المضافة"، أضاف: "ولأن الاقتصاد حمَّال أوجه فمع تضرر بعض صغار المودعين يمكنهم التحوط بأشياء أخرى".

 

ماذا عن المال الساخن؟

ويرى أن الفارق في هروب المال الساخن مع توقيت تخفيض سعر الفائدة في مصر يتوقف على "نتيجة الحرب التجارية بين أمريكا والصين، وأمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، والهزة العنيفة التي أحدثتها تلك الحرب، والتي أدت إلى تباطؤ النمو، ودرجة ما من التضخم العالمي".

لذا يعتقد خزيم، أنه "لم تعد هناك مساحة على الأقل على المدى القريب لخروج المال الساخن لمناطق أكثر جذبا أو لتحقيق مكسبا"، مؤكدًا أن "اختيار هذا التوقيت لتخفيض سعر الفائدة في مصر لا خوف منه على هروب المال الساخن، لأن الفيدرالي الأمريكي سيخفض سعر الفائدة على الدولار أيضا، لأن لديهم مشاكل، ونفس القصة موجودة بمنطقة اليورو".

وأوضح أن "مخاوف خروج المال الساخن في حالة ما إذا كانت هناك فرص أفضل يذهب لها، لأن هذه هي طبيعته، لكن يظل وجوده في مصر مستفيدا أكثر من أي مكان آخر، وأرى أن الخطوة في هذا التوقيت قد يخرج معها بنسب بسيطة وليس بالمعدلات السابقة، لأن حجم المال الساخن لدينا ما بين 38 إلى 40 مليار دولار".

 

بداية التصحيح

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، تبارى أساتذة وخبراء الاقتصاد في رصد الآثار الإيجابية والسلبية لقرار خفض سعر الفائدة، إذ وصفته أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة الدكتور علياء المهدي، بأنه "توجه جيد"، متوقعة تخفيضه مجددا.

الأستاذ الزائر بجامعة هارفرد الأمريكية الدكتور السيد الصيفي، اعتبره "بداية التصحيح"، موضحا أننا "ندفع فوائد قدرها 2300 مليار جنيه، وقسط سداد القرض 2000 مليار جنيه، يعني أن خدمة الدين 4300 مليار جنيه، أكثر من كل إيرادات الدولة البالغة 3100 مليار جنيه".

https://web.facebook.com/elsayed.elsiefy/posts/9660548600692361?ref=embed_post

من جانبه، قال الباحث الاقتصادي محمد نصر الحويطي، إن هذا "التخفيض يسهم في تنشيط الاستثمار (بورصة- صناديق- أنشطة تشغيلية للشركات- يدعم الاقتراض بكافة أنواعه- يدعم الإنتاجية- يخفض الأسعار)"، مؤكدًا أنه لا مخاوف من هروب الأموال الساخنة، فمازال سعر الفائدة الحقيقي مرتفعًا ونحتاج تقليله.

وقال الخبير الاقتصادي مصطفى عادل: في حال استقرار سعر الصرف حول 51 جنيه، فالموازنة العامة مستفيدة بخفض أعباء الدين بحوالي 200 مليار جنيه، مشيرا إلى خفض أقساط وديون الشركات لدى البنوك وشركات التمويل، ملمحًا لزيادة الأموال المستثمرة عن المدخرة بالبنوك، وزيادة الاقتراض لأجل الاستثمار.

وفي السياق، تحدث عن بعض التخوفات كخروج الأموال الساخنة خاصة مع رفع الفائدة بتركيا 3.5 بالمئة، مبينا أن زيادة السيولة النقدية قد يؤدي للتضخم، متوقعا ارتفاع سعر الذهب بصورة مؤقتة، مع تضرر أصحاب الودائع والشهادات الجديدة.

https://web.facebook.com/most.adel.ahmed/posts/3087352448107272?ref=embed_post