في ظل تخبط إداري يخص ما يتعرض له الأطباء في مصر، فما بين قوانين جائرة وحقوق ضائعة تعمل على هروب الأطباء للخارج وتركهم أبناء بلدهم الذين يحتاجون إليهم، لعلاجهم، تضاربت التصاريح في ظل تصريحات مصطفى مدبولي، بأن هروبهم يمثل مقابله عملة صعبة ستعود على البلاد، وبين مقترحات مجلس نواب الانقلاب، الذي يرون فرض قيود بمنع الأطباء من السفر لمدة تصل 5 سنوات، وهو ما يخالف الدستور والحقوق الشخصية للمواطنين.

 

رئيس الوزراء الدولار أهم من وجودهم

كشف الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، تفاصيل ملف هجرة الأطباء، قائلاً: “عندنا نوع من جلد الذاتي بالتشكيك في جودة التعليم المصري، مضيفًا: ”هل إذا كان التعليم بهذا السوء هل سيخرج هذا الكم من الأطباء والمهندسين".

وأضاف “مدبولي”، خلال مؤتمر صحفي، أن كليات الطب كانت تخرج 9 آلاف طالب ومع زيادة الكليات أصبحنا نخرج 15 ألف طالب حاليًا، قائلاً: "جزء من قوة مصر الناعمة هو خروج شبابها للعمل فى الخارج وتحقيق عائد اقتصادى".

وأوضح أن خروج الأطباء للعمل بالخارج شيء جيد ومشرف، وهذا تشجيع من الدولة للأطباء على الهجرة، والأمر ذاته للمهندسين وغيرهم من القطاعات الأخرى.

وتابع مدبولي: «ليست لدينا مشكلة لو هاجر 10 آلاف طبيب من نحو 29 ألف طبيب سيتم تخرجهم الأعوام المقبلة، وهذا الأمر من مصلحة الدولة سواء بكسب الخبرات أو جلب العملة الصعبة لمصر».
 

 

المستشفيات تعاني نقص الأطباء

وفي ظل حديث رئيس الوزراء غير المسئول أثار إعلان رسمي عن خلو عدد كبير من وظائف الأطباء بمستشفيات جامعة الإسكندرية في مصر حالة من الجدل، بعد حديث عن استقالة أصحاب تلك الوظائف بسبب «تردي الأوضاع ورغبتهم في السفر إلى الخارج ضمن ما يُعْرف بـ(هجرة الأطباء)».

وكانت مستشفيات جامعة الإسكندرية أعلنت عن خلو 117 وظيفة من الوظائف الإكلينيكية للأطباء المقيمين في مستشفيات جامعة الإسكندرية ومعهد البحوث الطبية بالجامعة.

وبحسب بيان رسمي لإدارة مستشفيات جامعة الإسكندرية، تقرر انعقاد جلسة تكميلية علنية في 26 إبريل الحالي بكلية الطب للأطباء خريجي كلية الطب دور أكتوبر 2022، ودور إبريل 2023، وأسنان 2021 الذين سبق لهم أن أبدوا رغبتهم أن يكونوا في قائمة الاحتياطي، في الاجتماع الذي عُقد يوم 14 سبتمبر الماضي، للاختيار من تلك الوظائف حسب الترتيب والمجموع التراكمي المطلق لنفس الدفعة، وذلك طبقاً لقرار وزاري ينظم اللائحة الأساسية للأطباء المقيمين.

وتنوعت الوظائف المعلن عنها بين الوظائف الإكلينيكية كالتخدير، ووظائف الجراحة العامة وجراحة الأطفال والجهاز الهضمي والكبد والأنف والأذن والحنجرة والأسنان وجراحة المخ والأعصاب وطب النساء والتوليد ووظائف أخرى تغطي مختلف التخصصات الطبية تقريبًا.

وقد تم تداول هذا الإعلان على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي في مصر، وفسره البعض على أنه جاء بعد «موجة استقالات للأطباء حديثي التخرج بسبب سوء أوضاع عملهم وتكليفهم، وجعلهم يعملون ساعات طويلة دون أدنى حقوق؛ ما دفعهم للرغبة في الهجرة للخارج».

 

أزمة فعلية

قال عضو مجلس نقابة أطباء القاهرة، يحيى دوير إن «خلو هذا العدد الضخم من الوظائف مرة واحدة في مستشفيات جامعة الإسكندرية يدل على وجود أزمة بالقطع».

وأوضح دوير أن «الوظائف المعلن عنها تعدُّ المرغوبةَ لدى خريجي الطب لأنها للمعيدين الذين ينضمون لهيئة التدريس بكليات الطب، وهذه يتقاتل عليها الخريجون، ومعنى خلوها دون توضيح إذا كان السبب هو الانتقال لتخصصات أخرى أو الاستقالة والسفر، فهذا يشير لوجود مشكلة ما».

وشدد دوير على أنه «لو كان الأمر متعلقاً بانتقال الأطباء لتخصصات أخرى أو حتى لمستشفيات وزارة الصحة أو مستشفيات خاصة داخل مصر فلا مشكلة، لكن كل المؤشرات خلال السنوات الماضية تشير لرغبة حديثي التخرج من كليات الطب في السفر للخارج لأسباب مختلفة أهمها تدني الأجور؛ ما جعل البلاد تعاني مما يمكن وصفه بالتصحر الطبي».

 

حل الأزمة ليس بفرض القيود

أعربت نقابة الأطباء عن بالغ استيائها مما تم طرحه في أحد النواب، بشأن منع الأطباء من السفر أو اشتراط سداد "فاتورة التعليم" كأداة للحد من هجرتهم للخارج، مؤكدة أن هذه الطروحات غير دستورية، وغير عملية، ولا تمثل حلًا حقيقيًا للمشكلة.

وكان النائب رفعت شكيب، عضو مجلس النواب، قد اقترح إلزام الأطباء الجدد بالبقاء في مصر لمدة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات بعد فترة التكليف، للمساهمة في سد العجز الحاد في التخصصات الطبية داخل المستشفيات.

وأكدت النقابة، في بيان لها ، أن محاولة معالجة أزمة هجرة الأطباء عبر فرض قيود على حريتهم الشخصية تمثل تجاهلًا متعمدًا للأسباب الجوهرية التي تدفعهم للهجرة، وعلى رأسها تدني الرواتب، وسوء بيئة العمل، وتكرار حوادث الاعتداء وعدم وجود تأمين حقيقي للمستشفيات، بجانب غياب التقديرين؛ المعنوي والمهني.

 

الحق في السفر مكفول بموجب الدستور

وأوضحت النقابة أن التعامل مع أزمة هجرة أبناء المهنة لا يكون عبر طرح "عقوبات" وأفكار حمقاء، بل من خلال سياسات إصلاحية عادلة، تضمن بيئة محفزة تحترم مهنة الطب وتعيد للأطباء مكانتهم المستحقة، مشيرة إلى أن الحق في التنقل والسفر مكفول بموجب الدستور ولا يجوز التنازل عنه تحت أي ذريعة.

 

اللجوء إلى أساليب مخالفة للدستور

وأضافت النقابة أنه بدلًا من تحميل الطبيب أعباءً إضافية فوق ما يعانيه، كان من الأجدى أن توجَّه الجهود نحو معالجة الأسباب الجذرية التي تدفعه للهجرة، وتوفير بيئة عمل محفّزة، تُعيد الاعتبار للمهنة من خلال دعم حقيقي وملموس، وزيادة فرص التعليم والتدريب وتيسيرها، بدلًا من اللجوء إلى أساليب مخالفة للدستور ولا تليق بقيمة الطبيب ودوره الحيوي في المجتمع.

 

الاغتراب المهني داخل الوطن

وحذرت النقابة من أن مثل هذا المقترح يُفاقم من أزمة هجرة الأطباء ويُعمّق الشعور بالاغتراب المهني داخل الوطن، في وقت تُطالب فيه النقابة بتحسين بيئة العمل وزيادة الرواتب وتوفير حماية حقيقية للأطباء.

وأكدت النقابة أن محاولة فرض مقابل مالي للسفر تتعارض مع نصوص الدستور المصري، خاصة المادة (62) التي تضمن حرية التنقل والسفر، دون تمييز أو قيد غير مبرر، كما أن المادة 53 من الدستور تنص على أن المواطنين متساوون في الحقوق والحريات، في حين أن المقترح النيابي يضع قيودًا على فئة بعينها الأمر الذي يعد مخالفة للدستور.

وبحسب آخر رصد صادر عن «الجهاز المركزي للإحصاء» في مصر، فقد انخفض عدد الأطباء بالبلاد إلى 97.4 ألف طبيب في عام 2022، مقابل 100.7 ألف طبيب في 2021، بانخفاض بلغت نسبته 3.3 في المائة.

وتفيد الأرقام بأن «مصر لديها طبيب لكل 1162 شخصًا»، بينما المعدل العالمي، طبقًا لمنظمة الصحة العالمية، هو طبيب لكل 434 شخصًا.

وشهدت السنوات الماضية هجرة العديد من الأطباء إلى خارج مصر، بقصد العمل والاستقرار في أوروبا أو أميركا، وكذلك بعض الدول العربية خاصة الخليجية، بحسب نقابة الأطباء المصرية.