نشرت صحيفة جيروزاليم بوست تحليلاً يشير إلى أن المظاهرات المؤيدة لفلسطين التي خرجت في القاهرة نهاية مارس الماضي لم تُعبّر فقط عن تضامن مع غزة، بل خدمت أهدافًا سياسية داخلية لنظام (قائد الانقلاب) عبد الفتاح السيسي. حسب التقرير، لم يُواجه السيسي الاحتجاجات الشعبية، بل وجّهها واستغلها سياسيًا.

عرف المصريون ثقافة الاحتجاج منذ الثورة الوطنية عام 1919 وحتى هتافات "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" في ميدان التحرير خلال الربيع العربي. لكن مظاهرات عيد الفطر 2024، التي خرجت في 31 مارس، حملت دلالات مختلفة، حيث ربطها التقرير مباشرة بسياسات السيسي تجاه الحرب في غزة.

واجه السيسي ضغوطًا منذ بدء حرب إسرائيل على حماس، فحاول تحقيق توازن بين تجنّب المواجهة مع إسرائيل وأمريكا، من جهة، وإظهار التضامن مع سكان غزة، من جهة أخرى. كثير من المصريين رأوا في ذلك الموقف ترددًا أو حتى خيانة، وخاصة بعد انتشار مقطع يُظهر عبور سفينة إسرائيلية قناة السويس في نوفمبر 2024، ما أثار غضبًا واسعًا. كما نفت القوات المسلحة حينها تقارير عن استقبال ميناء مصري شحنة متفجرات متجهة إلى إسرائيل.

أشارت الصحيفة إلى أن النظام نظم مظاهرات بدا أنها رُتبت بعناية لتبدو كتعبير شعبي عفوي ضد خطة إعادة توطين فلسطينيين اقترحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. هدفت تلك التحركات إلى ترميم صورة السيسي في الداخل بعد اتهامات بالتواطؤ مع الهجمات الإسرائيلية على غزة.
 

مسرحية سياسية منسقة

وزّع المنظمون أعلامًا فلسطينية ومصرية، وشغّلوا مكبرات الصوت لترديد هتافات موحّدة في عدة مدن. في الجيزة، قاد متحدث الهتافات قائلاً: "كلنا جنود مع السيسي لحماية الحدود"، بينما ظهر محمد أبو العينين، وكيل مجلس النواب، يشارك الحشود. أعلن لاحقًا أن "ثوابت الدولة التي حددها السيسي تمنع التهجير وحلّ القضية الفلسطينية على حساب الدول العربية".

في حي هليوبوليس، رفعت الجماهير لافتات موحّدة تقول: "نحن معك يا سيادة الرئيس". وفي الإسماعيلية، ظهرت لافتات تدعو لدعم خطة مصر لإعادة إعمار غزة. شارك في مظاهرات سابقة، في يناير، مسؤولون مثل محافظ شمال سيناء، احتجاجاً على خطة توطين الفلسطينيين في سيناء.
 

دور الأجهزة الرسمية

لاحظ التقرير أن وجود لافتات مطبوعة سلفًا، وتوقيت المظاهرات المتزامن في مدن مختلفة، ومشاركة شخصيات حكومية، كلها مؤشرات على تنسيق حكومي وليس حراكًا شعبيًا تلقائيًا. ونقلت الصحيفة عن هيئة الاستعلامات المصرية نفيها تقديم أي دعم عسكري لإسرائيل، واصفة الاتهامات بأنها "أكاذيب مفبركة".
 

حسابات داخلية وخارجية

رأى التحليل أن الضغط الشعبي حقيقي، لكن السلطة اختارت توجيهه بدلاً من مواجهته. وقدّم النظام هذه المظاهرات كدليل على رفض شعبي لخطة التوطين، بهدف تعزيز موقفه في المحافل الدولية.

في واشنطن، تُعتبر المظاهرات في الشرق الأوسط، خصوصًا في مصر، مؤشرًا على نبض الشارع. وبذلك يستخدم السيسي هذه التحركات كأداة دبلوماسية، وليس كاستجابة حقيقية لمطالب الشارع. هو لا يستجيب للاحتجاجات، بل يصوغها لتخدم أهدافه السياسية.

https://m.jpost.com/opinion/article-850183