شهدت الضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس المحتلة، في شهر أكتوبر الماضي موجة جديدة من عمليات المقاومة الفلسطينية التي أوقعت خسائر ملموسة في صفوف المستوطنين وأثبتت مرة أخرى تحدي الشعب الفلسطيني لآلة الاحتلال.
وأظهرت الإحصائيات التي نشرها مركز "معطى"، وهو مركز حقوقي مستقل، أن عمليات المقاومة أودت بقتل 11 مستوطناً وأصابت 98 آخرين في سلسلة من العمليات النوعية التي شكلت نقلة نوعية في العمل المقاوم الفلسطيني.
 

أرقام غير مسبوقةوتوسع في أساليب المواجهة
   أوضحت إحصائيات مركز "معطى" أن الضفة الغربية شهدت 445 عملية مقاومة متنوعة خلال شهر أكتوبر، من بينها 47 عملية إطلاق نار، و37 اشتباكاً مسلحاً مباشر مع قوات الاحتلال والمستوطنين. وكانت هذه العمليات نقطة تحول في المواجهات، حيث اتسمت بتطور نوعي وبروز عمليات فدائية استطاعت الوصول إلى عمق الاحتلال.
على سبيل المثال، أسفرت عملية إطلاق النار التي نفذها المقاومان محمد مسك وأحمد الهيموني من الخليل في تل أبيب عن مقتل 7 مستوطنين وجرح 17 آخرين، لتصبح هذه العملية من أبرز محطات المقاومة في الشهر الماضي.
 

تنوع أساليب المقاومة
   لم تقتصر عمليات المقاومة الفلسطينية على إطلاق النار والاشتباكات المسلحة، بل تنوعت أساليبها لتشمل عمليات دهس وزرع عبوات ناسفة، حيث تم تنفيذ 45 عملية لزرع أو إلقاء عبوات ناسفة، فضلاً عن عمليتين لإعطاب آليات عسكرية للاحتلال.
ويؤكد هذا التنوع في أساليب المقاومة على التصميم الفلسطيني على توسيع نطاق العمليات بما يتجاوز الأساليب التقليدية، وهو ما أربك حسابات الاحتلال الصهيوني وزاد من صعوبة توقع الخطوات القادمة للمقاومة.
 

قوة الشباب الفلسطيني في الشوارع
   في قلب المواجهات اليومية، شارك الشباب الفلسطيني في 255 عملية إلقاء حجارة ومواجهة مباشرة مع قوات الاحتلال، بالإضافة إلى 9 عمليات إلقاء زجاجات حارقة، و14 عملية تصدٍّ لاعتداءات المستوطنين في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية. تظهر هذه المواجهات اليومية حجم التحدي والإصرار الفلسطيني على مقاومة الاحتلال والتصدي لاعتداءات المستوطنين، الذين يستهدفون القرى والمنازل الفلسطينية بغطاء من قوات الاحتلال.
 

تزايد العمليات يشكل تهديداً على المنظومة الأمنية للاحتلال
   أوضح الكاتب والمحلل السياسي أحمد نصر، في تصريح لوسائل الإعلام، أن "الفعل المقاوم في الضفة الغربية أصبح نوعياً وذا تأثير يتجاوز حدود المناطق الفلسطينية، ليصل إلى عمق الاحتلال.
هذه العمليات تمثل ضربة قاصمة للمنظومة الأمنية الصهيونية، التي كانت تتغنى بقدرتها على إحباط العمليات الفدائية".
وأضاف نصر أن "رغم حملات الاعتقال الواسعة التي تنفذها قوات الاحتلال في الضفة الغربية والقدس، ورغم السياسات القمعية من اغتيالات واعتقالات، إلا أن المقاومة لا تزال في أوجها، بل تزداد زخماً وصلابة في مواجهة الاحتلال".
 

فشل الاحتلال في إخماد جذوة المقاومة
   ورغم تكثيف حملات الاعتقال التي تنفذها قوات الاحتلال، والتي طالت مئات الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس خلال الشهر الماضي، لم يتمكن الاحتلال من إخماد جذوة المقاومة أو القضاء على الروح النضالية لدى الشعب الفلسطيني.
ويواجه المقاومون الفلسطينيون محاولات يومية لإخماد نشاطاتهم، إلا أن هذه الحملات لم تفلح في تحقيق أهدافها، إذ تستمر العمليات الفلسطينية في تصاعدها بالرغم من التضييقات المستمرة.
 

دعم السلطة للاحتلال في مواجهة المقاومة
   وفي إطار محاولات إحباط عمليات المقاومة، تزايد التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية ونظيرتها الصهيونية. ووفقاً للمحللين، يشكل هذا التنسيق تحدياً كبيراً أمام المقاومة الفلسطينية، حيث شهدت سجون السلطة اكتظاظاً بأعداد المعتقلين السياسيين والنشطاء، وسط تزايد الاستدعاءات والتحذيرات من أي فعاليات تهدف إلى تحريك الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية.
هذه السياسة أثارت جدلاً واسعاً في الشارع الفلسطيني، حيث تُعتبر هذه الاعتقالات والملاحقات جزءاً من استراتيجية مشتركة تهدف إلى إضعاف الحراك الشعبي الفلسطيني.
 

هل تستمر عمليات المقاومة بنفس الوتيرة؟
   يتوقع المحللون أن تستمر المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، بل قد تشهد مزيداً من التطور في أساليبها واستراتيجياتها، خاصة في ظل عدم وجود حلول سياسية تلوح في الأفق وتزايد التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني يومياً من انتهاكات للاحتلال واعتداءات المستوطنين.
ومع صمود الشعب الفلسطيني واستمرار المقاومة، يبقى التساؤل مطروحاً حول قدرة الاحتلال الصهيوني على التعامل مع هذا الصمود واحتواء موجات المقاومة التي تتزايد يوماً بعد يوم.
 

حصاد المقاومة يمثل صموداً وتحدياً لإرادة الاحتلال
   يعكس حصاد المقاومة في شهر أكتوبر إرادة شعبية راسخة في مواجهة الاحتلال وتحدياً متزايداً لقدرة الاحتلال على بسط سيطرته الأمنية في الضفة الغربية.
وفي ظل تزايد حملات الاعتقال والملاحقات، يُثبت الشعب الفلسطيني مرة بعد أخرى قدرته على الصمود، ليبقى النضال من أجل الحرية والدفاع عن الأرض جزءاً من هوية الشعب الفلسطيني الرافضة للخضوع والسيطرة، ومع استمرار تصاعد المقاومة، يبدو أن الصراع على الأرض سيظل قائماً حتى ينال الفلسطينيون حريتهم وحقوقهم المشروعة.