قالت ورقة لمعهد بيترسون الأمريكي إن "المؤسسة العسكرية، والبيروقراطية، وأجزاء من القطاع الخاص، لديها مصالح كبيرة وعميقة الجذور في الوضع الراهن.
ولن يكونوا عناصر تغيير، إلا إذا كان وجود النظام في خطر".
وترجم اقتصاديون بتقرير للمعهد المختص للاقتصاد الدولي عن الوضع الاقتصادي لمصر مستعرضا فيه أزمات مصر منذ سنة 1952.
وعن فشل إدارة الأزمة، قال المعهد إنه "مراراً وتكراراً، ساهم سعي مصر لتحقيق أسعار صرف ثابتة أو مستقرة للغاية في زيادة الصعوبات التي يواجهها ميزان المدفوعات".
وأضافت ورقته أنه "لا تشكل أسعار الصرف المرنة علاجاً لجميع الصعوبات الاقتصادية الكلية التي تواجهها بلدان الأسواق الناشئة، بما في ذلك الصعوبات الناجمة عن انخفاض حساسية التجارة لتحركات أسعار الصرف مع زيادة استخدام الفواتير بالدولار وعولمة سلاسل القيمة".
واستدركت أنه مع ذلك، تحتاج مصر إلى النظر في سعر صرف أكثر مرونة بكثير لعزل نفسها عن الصدمات الاقتصادية العالمية المعاكسة والسماح بمساحة سياسية أكبر لمعالجة عواقب الاختلالات الهيكلية الخارجية والمالية، خاصة في ضوء اعتمادها منذ فترة طويلة على تدفق رأس المال الدولي.
وتوضح عقود من الأزمات المتكررة أن مصر بحاجة إلى تغيير المسار، من خلال الإصلاحات التي تشمل الحوكمة والمؤسسات.
وعن طرق الحل أشارت الورقة إلى طريقين:
أحدهما ضيق ومليء بالتحديات ومليء بالإمكانات.
أما الآخر فهو مألوف ومن المرجح أن يخلق مخاطر حدوث أزمات مستقبلية.
السيناريو الأول: التحرر
ينطوي هذا المسار على سلسلة من الإصلاحات الجريئة والمستدامة التي تهدف إلى معالجة أسس المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها مصر.
وأوضح أن إصلاح الإدارة هو الركيزة الأولى، وربما الأكثر تحديا وينطوي على الحد من الهيمنة الاقتصادية للجيش وتعزيز الشفافية وإنفاذ تدابير مكافحة الفساد.
وأبان أن هذا يعني إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والسوق للسماح بنمو القطاع الخاص، والإبداع، والتنويع خارج القطاعات التي تسيطر عليها المؤسسة العسكرية.
وأكد أن ذلك ينطوي على خلق بيئة يمكن أن تزدهر فيها المنافسة العادلة وأن زيادة المساءلة أمر ضروري ومن الممكن تحقيق هذه المساءلة من خلال تعزيز استقلال القضاء، وتحسين إدارة المالية العامة، وتعزيز ثقافة الجدارة.
وعن مثالية التصور قالت إن من شأن مثل هذه الخطوات أن تساعد في بناء الثقة في النظام، ودفع الكفاءة الاقتصادية، وتسهيل إدارة المالية العامة.
وعن أكبر معوق لهذا السيناريو أكد معهد بترسون أن "المؤسسة العسكرية قد تقبل بالإصلاح فقط إذا أصبح نموذج الاقتصاد السياسي السائد غير قابل للاستمرار بشكل واضح.
بيع المواقف
وضمن السيناريو دعا المعهد إلى استغلال مصر الوضع في غزة، قائلا: "يتعين علينا إعادة النظر في الاعتماد على الريع الجيوسياسي. تاريخياً، استخدمت مصر موقعها الاستراتيجي لتأمين تدفق مستمر للمساعدات الدولية"، مضيفا أنه في كثير من الأحيان أدى هذا إلى تأخير الإصلاحات الضرورية.
ولكسر هذا النمط، قالت: "يجب على مصر الاستفادة من أهميتها الاستراتيجية ليس فقط للمساعدات قصيرة الأجل ولكن كمحفز للاستقرار الاقتصادي الدائم والنمو".
ولفتت إلى أن تنويع القاعدة الاقتصادية، وتعزيز نمو القطاع الخاص، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات غير التقليدية يشكل خطوات حاسمة.
داعية إلى إنشاء مؤسسات أقوى، على سبيل المثال تنظيمات أفضل، لإدارة الموارد بفعالية والحد من الاعتماد المالي على شرايين الحياة الخارجية. وأخيرا، التخلي عن سعر الصرف الثابت.
ودعا المعهد إلى السماح بسعر صرف مرن بتعويم العملة والتكيف مع حقائق السوق مدعيا أنه من شأنه أن يخفف من الاختلالات ويعزز القدرة التنافسية.
وقالت الورقة: "وبطبيعة الحال، فإن التحول لن يكون سهلا وتشكل الضغوط التضخمية، وخاصة على أسعار المواد الغذائية، مصدر قلق كبير ولكن مع شبكات الأمان الاجتماعي المستهدفة، تستطيع حكومة السيسي حماية الفئات الأكثر ضعفا في حين تسمح للاقتصاد بالتنفس ويعني اعتماد سعر صرف مرن أيضاً تعزيز قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي المالي والحد من الاعتماد على التمويل الخارجي وفي هذا السياق، ستكون إصلاحات الدعم وخلق بيئة صديقة للاستثمار بمثابة سياسات تكميلية رئيسية.
السيناريو الثاني: الدورة الدائمة
وفي هذا السيناريو، الذي تعرضه الورقة هو استمرار الوضع الحالي الذي أعادت توصيفه من التزام نظام السيسي في مصر "بما تعرفه" مثل؛
1) التعود على أسعار الصرف الثابتة.
2) تعتمد على الريع الجيوسياسي
3) تسمح للجيش بالبقاء منغمسًا بعمق في الاقتصاد.
وشبهت هذا الاستمرار بـ"الكتاب الذي تم التدرب عليه جيدًا. ولكن هذا النهج، كما يظهر التاريخ، يشبه إلى حد ما محاولة إبقاء كرة الشاطئ مغمورة بالمياه".
وأكدت أنه وفي نهاية المطاف، تدفعه قوى واقع السوق إلى الأعلى مرة أخرى. ويؤدي سعر الصرف المبالغ في تقديره إلى اختلالات خارجية مستمرة (فلا الكرة على الشاطئ خرجت أو غطست).
وعن توصيفها لهذه الاستدامة:
- يصبح اختلال العملة واضحاً بشكل صارخ.
- ويتضخم العجز في ميزان المدفوعات.
- ويظل الاعتماد على الواردات مرتفعا.
- ولا تنمو الصادرات بالقدر الكافي.
- ويستمر الإنفاق الحكومي في الارتفاع.
- وتتضاءل احتياطيات النقد الأجنبي.
- وتبدأ دورة طلب المساعدة الدولية من جديد.
وربطت بين هذه المثالب ودور صندوق النقد الدولي والسيناريو المألوف لتخفيض قيمة العملة والإصلاحات الموعودة!
وأكدت أن "هذه التدخلات تقدم راحة مؤقتة، ولكنها نادراً ما تعالج الأسباب الجذرية، مما يترك القضايا الأساسية تتفاقم حتى الأزمة التالية". .
وشددت على استمرار الخلل "لا تزال قضايا الحوكمة قائمة. وقبضة الجيش على قطاعات كبيرة من الاقتصاد وانتشار المحسوبية تخنق الكفاءة والابتكار ولا يزال النمو بطيئا، وتستمر المشاكل الاجتماعية والاقتصادية بلا هوادة".
مستخلصة أن "المشهد مهيأ لدورة أخرى من الأزمة وعمليات الإنقاذ".
التوقعات
هل ستكون هذه المرة مختلفة؟
أجابت الورقة: "ربما لا، لأن فرص التغيير ضئيلة"..
ورجحت الورقة أن تسمح عوامل عديدة باستمرار الوضع الراهن (كما هو موضح في السيناريو (٢).
إن عدداً من المجموعات، بما في ذلك المؤسسة العسكرية، والبيروقراطية، وأجزاء من القطاع الخاص، لديها مصالح كبيرة وعميقة الجذور في الوضع الراهن. ولن يكونوا عناصر تغيير، إلا إذا كان وجود النظام في خطر، ويمكن القول إن الأزمة الحالية لا تزال تبدو قابلة للتحكم سياسياً في نظر المطلعين على بواطن الأمور.
وأشارت إلى أن ضعف المقاومة، وتدفق الريع الجيوسياسي ومعنويات السوق سمح لمصر بالمضي قدماً.
ورجحت أنه من الصعب أن نتصور أن الصعوبات الاقتصادية الحالية التي تواجهها مصر ستدفع سلطات السيسي إلى الشروع في إصلاحات عميقة.
وأضافت "ونحن نميل إلى الاعتقاد بأن الدورات المتكررة من الصعوبات الاقتصادية بما في ذلك عدم كفاية خلق فرص العمل، والعجز البنيوي في الموازين المالية والخارجية، والاعتماد على أسعار صرف ثابتة أو مفرطة الاستقرار".
وكررت "من المرجح أن تستمر، ومن المرجح أن يستمر المجتمع الدولي، بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في توفير شبكة أمان مالي لمصر.".
http://https://piie.com/sites/default/files/2024-08/pb24-6.pdf