توقف الأسير المحرر هلال جرادات، أمام أحد الباعة في سوق الشاطئ غرب مدينة غزة، بعد أن لفت انتباهه زحام شديد وتهافت من العشرات على شراء دواجن إسرائيلية مجمدة رخيصة الثمن تسمى (تِرِف)، وتعرف محليا في أسواق غزة، بـ"الدجاج الطريف".
حصل جرادات بصعوبة بالغة على دجاجة واحدة، وعقب طهوها في منزله لاحظ أن مذاقها سيئ، ما استدعى قيامه بفحص تاريخ الإنتاج والصلاحية، غير أنه صدم عندما لم يجد أي إشارة لتاريخ الصلاحية أو حتى أثر لكلمة "كوشير"، بالعبرية (مذبوح وفقا لتعاليم الشريعة اليهودية) أو حلال بالعربية، كما هو معتاد، "ما يعني أنه لا مجال للتلاعب في الدجاج طالما أن اليهود سيأكلون منه"، كما يوضح هلال، الذي شعر بالقلق، واتصل برقم هاتف الشركة المصدرة والمدون على غلاف الدجاجة البلاستيكي الذي طبع عليه "دجاج طريف" باللغتين العربية والعبرية.
كانت المفاجأة أن موظفة الاستعلامات ردت عليه، بأن هذا النوع من اللحوم البيضاء غير مخصص للإسرائيليين، وأن رجال الدين اليهود "الحاخامات"، يعتبرونه نجسا ومحرما، لذلك تصدره إسرائيل إلى أسواق قطاع غزة.
ما هو الدجاج "النجس"؟
وفق مرجع "توراة هبيت هكتسار" للحاخام شلومو بن ابرهام، فإن الدجاج "التِرِف" يعتبر نجسا ومحرما ولا يجوز تناوله بحسب الشريعة اليهودية، لكونه قد تعرض إلى كسر في أطرافه أو به إعاقة خلقية، أو تم اصطياده بواسطة طرف ثالث "حيوان" أو لكونه دجاجا يقترب من الموت بسبب وباء ما.
وشدد المرجع اليهودي في كتابه على عدم ذبح هذا النوع أو خلطه مع الدجاج العادي الحلال "الكوشير"، وفي حال تم ذلك فيسري حكم الدجاج النجس على الدجاج العادي ويعتبر محرما.
وتؤكد معلومات متطابقة وثقها معدّا التحقيق أن الدجاج المصنف ضمن فئة "التِرِف" لا يسد حاجة حدائق الحيوان ومربي الحيوانات الأليفة، في كيان الاحتلال، وهو ما يطابق، ما قاله موظف في فرع شركة "عوز وهادرا" في منطقة "شاعر هنيغيف" بالنقب، المتخصصة بإنتاج وتسويق لحوم الدجاج الإسرائيلية والمصدرة لهذا النوع من الدجاج إلى قطاع غزة في مكالمة ثانية أجراها الأسير جرادات، إذ أكد موظف الشركة أن هذا الدجاج يتم تصديره من أجل إطعامه للحيوانات المفترسة في حدائق الحيوان في غزة.
ويتفق ما ذكره جرادات مع ما أكده مفتش سابق بوزارة الزراعة الإسرائيلية، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد" من أن كمية الدجاج "التِرِف"، في إسرائيل، لا يمكن توقعها إذ لا يتوفر إلا في حالة انتشار وباء أو مرض مثل إنفلونزا الطيور والتي توفر كمية كبيرة من هذا الدجاج، تفوق قدرة إسرائيل على تصريفها محلياً في حدائق الحيوان فتلجأ إلى تصديرها للخارج، لافتا إلى أن أذون التصدير الخاصة بهذا النوع تغيب عنها معلومات حول تاريخ ومدى صلاحيته للاستهلاك البشري، مؤكدا أنه في حال توافرت كميات كبيرة من الدجاج "التِرِف"، يتم تقطيعها، وإرسالها إلى غزة، وبيعها على شكل أجزاء مثل الأجنحة والرقاب وغيرها.
غزيون يعانون بسبب "التِرِف"
وفق استطلاع ميداني أجراه معدّا التحقيق شمل أسواق محافظات قطاع غزة الخمس، تبين أن 100 محل وبسطة ثابتة ومتنقلة، تبيع اللحوم والدواجن المجمدة من بينها الدجاج "التِرِف" الذي يشهد إقبالا كبيرا من فقراء القطاع الذين تصل نسبتهم إلى 65% بحسب أحدث إحصاء صادر عن مركز الإحصاء الفلسطيني في العام 2015، من بين هؤلاء رب الأسرة أحمد المصري الذي أصيب بخيبة أمل حين أخبره أحد باعة الدواجن المجمدة بنفاد الدجاج الكامل من السوق، خاصة الرخيص منه "التِرِف"، يقول المصري لـ"العربي الجديد": "كنت أشتري دجاجتين بثمن واحدة، وأوفر وجبة دسمة للعائلة بأقل الأسعار".
وبيّن المصري أن بعض الأشخاص ممن لديهم برّادات كبيرة ومصادر جيدة للطاقة الكهربائية، ينتظرون وصول تلك الدواجن ويخزنونها، خاصة أنها غير متوفرة بشكل دائم في السوق. ويعتقد المصري وغيره من المشترين والباعة أن كلمة "تِرِف" بالعبرية تعني دجاجا معاقا أو به عيوب خلقية، واليهود لا يأكلونه لأن ذلك محرم في عقيدتهم، لكنه غير ضار لغير اليهود، وهو الأمر الذي لم يعد الأربعيني يوسف شوقي، يؤمن به إذ أوقف شراء تلك الدواجن المجمدة خاصة "الجوانح"، بعد أن لاحظ إصابته واثنين من أبنائه بالسمنة المفرطة. يروي شوقي لـ"العربي الجديد" أنه اعتاد تخزين الجوانج في براده بسبب عدم توفرها طوال الوقت، ورخص ثمنها ما دفعه لشراء كميات كبيرة منها، وتخزينها وشيّها من مرتين إلى ثلاث أسبوعياً، الأمر الذي فاقم إصابة العائلة بالسمنة، وهو نفس الاعتقاد عند الشاب محمد عبد الله، الذي يؤكد أن تناول أجزاء الدواجن المثلجة المشبعة بالدهون أصاب ستة من أفراد عائلته خاصة الكبار منهم بمرض السكر وضغط الدم، لاسيما أن الأطباء نصحوا كل من اكتشف لديه المرض بالتوقف فوراً عن أكل أي نوع من الدهون خاصة الحيوانية.
وأشار عبد الله إلى أن العائلة كانت تتناول لفترة من الزمن الدواجن المجمدة مطهوة ومشوية، إذ إن رخص ثمنها جعلها بديلا شبه وحيد عن الدجاج المحلي.وعلى الرغم من إلزام البلديات والوزارات المعنية في غزة للباعة بعرض بضاعتهم في حاويات زجاجية مبردة محكمة الإغلاق، لتفادي تلفها، إلا أن "الكثير من الباعة يضعون اللحوم والدواجن المجمدة في الهواء ما يفقدها برودتها" كما وثق معدا التحقيق، وهو ما يجعلها عرضة للإصابة بالبكتيريا الهوائية واللاهوائية متعددة الأنواع"، كما تؤكد أخصائية التغذية أنوار قشطة.

