14/10/2010

وسط أجواء من الفرحة، اكتملت عملية إنقاذ 33 من عمال منجم سان خوسيه شمال تشيلي بعد النجاح في إخراج آخر عامل منهم باستخدام كبسولة تشبه المصعد، ليسدل الستار بذلك على واحدة من أشهر عمليات الإنقاذ حيث كان العمال على عمق يتجاوز 600 متر تحت سطح الأرض.

وبمجرد صعود العامل لويس يورزوا فجر الخميس بتوقيت مكة المكرمة، أطلقت صافرة النجاح لعملية الإنقاذ بعد 69 يوما احتجز

خلالها العمال داخل المنجم بعد انهيار صخري. وكانت عملية الإنقاذ قد بدأت فجر الأربعاء، واستغرقت رحلة صعود كل عامل نحو 15 دقيقة بسرعة متر واحد في الثانية، لكن تخلل ذلك عمليات صيانة للكبسولة.

وقد عمت مشاهد السعادة الغامرة مع وصول كل عامل، حيث كان يلقى استقبال الأبطال عند سطح منجم سان خوسيه للذهب والنحاس الواقع في صحراء أتاكاما شمال تشيلي.

تحسين الظروف

وفي أول ردود الفعل بعد الانتهاء من إخراج العمال، قال الرئيس التشيلي سيباستيان بينيرا إن "هذه العملية تفتح الباب نحو العمل ، من أجل تحسين ظروف العمال في كل المجالات".

وحظيت عملية الإنقاذ بتغطية إعلامية كبيرة حيث عمل نحو 1700 صحفي على نقل الوقائع لمختلف وسائل الإعلام التي بثت على المباشر أطوار عملية إخراج العمال المحاصرين.

وخضع العمال المنتشلون لفحص طبي فور صعودهم إلى سطح الأرض قبل نقلهم إلى مستشفى كوبيابو الذي يبعد أقل من ربع ساعة بالمروحية، حيث سيبقون يومين لإجراء فحوص طبية متقدمة. وبينما ظهر البعض منهم في حالة جيدة، كان البعض الآخر يكافح المرض وبدا أكثر ضعفا.

الكبسولة فينكس
واستعملت في عملية الإنقاذ كبسولة أطلق عليها اسم فينكس نسبة إلى طائر الفينيق الأسطوري، وبلغ قطرها 53 سم. وخضعت هذه الكبسولة للتجريب حيث عمد عمال الإنقاذ إلى إنزالها مرتين في باطن الأرض قبل بدء عمليات إنقاذ العمال. وقد بدأت عملية الانتشال بعدما كللت تجارب استخدام الكبسولة بالنجاح عندما وصل إلى الأرض العامل الأول فلورنسو أفالوس حيث كان في استقباله رئيس البلاد إضافة إلى عائلات العمال.

وأوضحت مراسلة الجزيرة في عين المكان ديمة الخطيب أنه جرى تقسيم العمال قبل بدء عملية الإنقاذ إلى ثلاث مجموعات، بحيث تضم المجموعة الأولى العمال الأقوياء صحيا وبدنيا، والثانية الضعفاء، ثم الذين يعانون من أمراض ومشاكل صحية.ومنذ انهيار المنجم يوم 5 أغسطس/آب الماضي حشدت حكومة تشيلي وسائل جبارة لإنقاذ هؤلاء العمال، وانتدبت وزيرا يداوم يوميا في مكان الحفر، واستخدمت ثلاث حفارات لحفر بئر الإخلاء ورافعات وكبسولات للإنقاذ صنعت خصيصا في ورش البحرية.

أسباب النجاح :

رصدت كريستيان ساينس مونيتور خمسة أسباب رأت أنها كانت وراء نجاح إنقاذ عمال منجم الذهب والنحاس في تشيلي، الذين حوصروا بداخله على عمق نحو 700 متر لمدة 69 يوما.
 
وفي هذه الفترة ألهمت فرقة الإنقاذ التشيلية العالم ونجحت في مهمتها نتيجة لهذه الأسباب:
 
1- الإنفاق لم يقف حائلا، فقد استأجرت الحكومة ثلاث شركات حفر للتنافس على اختراق المنجم، وهو ما عزز فرصة إنقاذ سريع. وقد رصدت كوديلكو -وهي شركة لإنتاج النحاس مملوكة للدولة ومديرة لعملية الإنقاذ- ميزانية قدرها 15 مليون دولار للعملية.
 
ولم تهمل الشركة أسر العمال المحصورين، حيث وفرت لهم وسائل الحماية أثناء وجودهم قرب ذويهم، وتحول الأمر إلى توجه عام، حيث تعهد متبرعون مدنيون وهيئات رسمية بتقديم المساعدة خاصة بعد اكتشاف أن العمال ما زالوا أحياء.
 
وتبرعت شركات الاتصالات بمكالمات مجانية بين الأسر والعمال والصحفيين في موقع المنجم، وأقامت الحكومة شبكة وايفاي. وقدم الصيادون المجاورون آلاف أسماك الفيليه. وأتى المهرجون والمغنون للترفيه على الأسر ورفع روحهم المعنوية، وتبرعت إحدى شركات النظارات الشمسية بنظارات لكل عمال المنجم قيمة الواحدة 450 دولارا.
 
وفي المقابل حصلت كل شركة من هذه الشركات على حصة مجانية من الدعاية، وارتفعت تقييمات الاستحسان للحكومة التشيلية أثناء عملية الإنقاذ.
 
2- استباقية الحكومة، فقد برهن الرئيس التشيلي سباستيان بينيرا ووزير التعدين لورنس غولبورن على كيفية تحويل الأزمة إلى فرصة.
 
وزار الرئيس المكان ثلاث مرات، ودعا الجميع لتقديم المساعدة الفنية قدر استطاعتهم.
 
وكان غولبورن يقضي ليالي حول مواقد النيران في مخيمات أسر العمال قرب بوابات المنجم وهو يشرح لهم خطط الإنقاذ.
 
وأشرف وزير الصحة بنفسه على الرعاية الصحية لعمال المنجم وبرنامج التغذية، كما دعمت السلطات المحلية مخيمات الأسر بالموظفين للطهي والتنظيف وتقديم المشورة.
 
3- آليات متقدمة، فقد ساعدت تقنية الحفر التوجيهية الحديثة الفنيين على سطح الأرض لتوجيه الحفارات بدقة إلى أنفاق وغرف المنجم لإنشاء اتصالات وتوفير معدات الإنقاذ وحفر مخرج للهروب. واخترع أحد المتخصصين في المجال لقمة ثقب استخدمت في عمل فتحة المصعد الذي ركبه العمال للخروج.
 
4- عمال منجم رزينون، عندما عثر على العمال أحياء لم يعد الرئيس بينيرا الأمر "معجزة إلهية" فحسب لكنه عزاه إلى العمال أنفسهم لبقائهم منظمين وأصحاء وظهور روح الجماعة بينهم في كل شيء. وقال وزير التعدين إنه كان يتوقع صراخا للمساعدة عندما اتصل بالمنجم، وبدلا من ذلك دهش عندما رد عليه أحدهم وحوله إلى رئيس الوردية كما لو كان يوم عمل عاديا بعد مرور فترة زادت على أسبوعين.
 
5- أسر متفانية، فعندما استغرق الأمر أربع ساعات كي يبلغ أصحاب المنجم أسر العمال بالحادث أثارت الأسر ضجة صاخبة، وسارعوا إلى موقع الحادث ولم يتوانوا في إبلاغ الصحافة بسمعة المنجم، خاصة أنهم سمعوا أنه كان ينهار منذ أشهر.
 
ومارست الأسر ضغطا مستمرا على الهيئات الحكومية والزعماء السياسيين، وهو ما جعل الحكومة تتولى الإنقاذ ومواصلة البحث بكل الوسائل الممكنة.
 
وفي النهاية استغرق البحث 17 يوما، وبمجرد العثور على العمال قدمت لهم الأسر المساعدة المستمرة، بالتحدث إليهم أولا ثم تزويدهم بالملابس النظيفة ووسائل الراحة الأخرى، وفي يوم أمس كان نفس أفراد الأسر يحيون محبوبيهم عند المخرج.

ــــــــــــــــــــــ

المصدر : الجزيرة / وكالات / ساينس موينتيور