02/02/2010

بقلم: عبد الله إمبابي

حينما رفع أحمد حسن، كابتن المنتخب المصري لكرة القدم، أصبع السبابة إلى السماء، وردَّد "الحمد لله الحمد لله الحمد لله"، بينما اتجهت إليه كاميرات وعدسات وسائل الإعلام العالمية قبيل رفعه كأس بطولة الأمم الإفريقية بأنجولا التي فازت بها مصر للمرة السابعة؛ لم يكن هذا التصرف مجرد رد فعل تلقائي لكابتن منتخب الساجدين، بل إنه صورة مصغرة لما يؤمن به أفراد الفريق ويعتقدونه ويسيرون على نهجه، إنه الالتزام الخلقي والديني الذي انضموا على أساسه لتمثيل منتخب بلادهم، كما أكد المعلم حسن شحاتة المدير الفني للفريق في بداية البطولة في تصريح شهير، جعل وسائل الإعلام العالمية؛ خاصة الإيطالية، تشن حملة ضده وتتهمه بالتعصب، ومع ذلك لم ولن يتراجع، إنه وصل إلى قمة التفوق والإنجاز في الدنيا والفلاح في الآخرة، ومن ثم من التخبط التفريط فيه.
 
هذه الروح استشرت بين كل لاعبي المنتخب؛ لتجعل منه فريقًا صاحب بصمة كروية، فأجمع نقاد وخبراء الرياضة على أنه يتسم على باقي فرق إفريقيا بالأداء الجماعي، فضلاً عن البصمة الإيمانية التي جعلت مظهر الاحتفال الأول، وربما الوحيد عقب إحراز الأهداف؛ هو السجود لله شكرًا، في بادرة اعتبرها بعض المشاهدين أنها مجرد حركة احتفالية جديدة بإحراز الأهداف؛ لكن اللاعب الخلوق محمد أبو تريكة كتب على فانلته الداخلية "نحن فداك يا رسول الله" قبل أن تفوز مصر بلقب بطولة الأمم التي نظَّمتها في 2006م، كما رفع شعار "تعاطفًا مع غزة" في بطولة 2008م التي فازت بها في غانا؛ ليعلن للعالم أنهم ليسوا مجرد لاعبين للكرة، ولكنهم حملة فكرة يؤدون رسالة، فناهضوا الحملة المسيئة لرسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم في بطولة 2006م، ودشنوا حملة عالمية في بطولة 2008م بغانا، في لحظة لفتوا فيها انتباه العالم للمجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني ضد أشقائنا في غزة، ورغم انشغال اللاعبين بتدشين الحملات إلا أنهم فازوا في البطولتين.
 
وفي بطولة أنجولا غاب أبو تريكة؛ لكن روح الالتزام الذي نتحدث عنه لم يغب، ففاجأ "المعلم" حسن شحاتة العالم كله بأنه يضم اللاعبين على أساس أخلاقي، فهاجمته وسائل الإعلام الغربية متهمة إياه بالعنصرية، ومن قبلها هاجمته بعض وسائل الإعلام الرياضية لضمه وجوهًا جديدة؛ مثل محمد ناجي جدو مقابل التفريط في نجوم مثل أحمد حسام ميدو، فماذا حدث؟ فاز محمد ناجي جدو بلقبين الأول أنه هداف أول بطولة إفريقية، يشارك فيها بلا منازع بواقع 5 أهداف، والثاني أنه أفضل لاعب بديل في البطولة، والذي يبحث في دفاتر اللاعب جدو يجدونه بالمعنى البلدي "خليفة أبو تريكة"، ليس فقط في فنه ومهارته، ولكن أيضًا في أخلاقه؛ حيث تجرع الإكسير ليضمه المعلم إلى كتيبة منتخب الساجدين.
 
أود هنا أن أذكر موقفًا شخصيًّا حدث مع حسن شحاتة، حينما كنت صحفيًّا في جريدة (آفاق عربية)؛ حيث ذهبت إليه لأجري حديثًا معه عندما كان مديرًا فنيًّا لفريق المقاولون العرب، بعدما فاز بكأس مصر، وتغلب على ثلاثي قمة الأندية المصرية الإسماعيلي والزمالك والأهلي على التوالي، وجدته يتحدث عن أن الالتزام هو سر تحقيقه لهذا الإنجاز؛ الالتزام بمعناه الفني والخلقي، وراح يتحدث عن فضل الله على العبد الذي يخلص في عمله ويتقنه، استدعت ذاكرتي هذا الحوار مؤخرًا، لأربط بينه وبين تصريحه، فضلاً عن تسرب روح الالتزام إلى فرق أخرى، مثل تونس ونيجيريا اللذين تعوَّد لاعبوها السجود عقب إحراز الأهداف، وكأنهم يقولون: "سنكسر احتكار منتخب مصر للقب الساجدين".
 
ووصل الحد إلى أن تقول صحيفة (الجارديان) البريطانية إن التدين يعتبر جزءًا من عملية ربط الفريق الذي يصلي جماعة، ومن قبل ذكر موقع (الفيفا)‏ أن شحاتة‏-‏ الذي تتسم شخصيته بالتواضع، وتفضيله الابتعاد عن الأضواء وعدم الحديث عن وسائل الإعلام‏-‏ تمكَّن من إثبات كفاءته.
 
فهنيئًا لمنتخب مصر فوزه الأخلاقي والمعنوي والرياضي عبر مسيرة أخلاقية مشرّفة، وننتظركم في رسائل أخرى للعالم عبر ميدان الرياضة؛ وفي القلب منها الساحرة المستديرة.