بقلم : مجدي مغيرة
 
الانقلابات العسكرية ، النظم الدكتاتورية ، الحكومات الاستبدادية .... وما شابهها من نظم لا تستطيع أن تتحكم في الأمم والشعوب إلا بالكذب والتدليس والحديد والنار لتكتم أنفاس الأحرار .
 
من هنا لا تجد هذه النظم من يقف بجوارها وينفذ رغباتها ، ويحقق أمنياتها سوى المرضى النفسيين وأصحاب العاهات المستديمة ، وأصحاب القلوب التي امتلأت حقدا وغلا على النابهين والأذكياء ، والمخلصين والأوفياء.
 
وهؤلاء المرضى لا ينفذون هذه الأوامر لوجه الله ، أو حتى لوجه إبليس ، هم يفعلون ما يفعلون طمعا في مغانم كثيرة يحصدونها مقابل خدماتهم التي لا يستغني عنها طاغيةٌ أو ظالمٌ ،
 
 فمنهم من يجمع المال ويخزنه في حسابات الداخل والخارج ،
 
 ومنهم من يشبع رغباته في إذلال الناس ،
 
 ومنهم من يجمع حوله الأهل والأحباب والأقارب والأصحاب  ويعينهم في وظائف لا صلة لهم بها سوى أنهم أبناء جناب المستشار ، أو أقارب المدير ، أو جيران الوزير ، أو ... أو،
 
ومنهم الكاره للدين ، الحاقد على أهله ، لا يفرح إلا بانحلال الأخلاق وتفسخ القيم ، ولا ترتاح نفسه إلا بالهبوط إلى أدنى الدركات وأحط السلوكيات .
 
وهذا يفسر لنا أين تذهب الأموال الضخمة التي تحصلها الدولة من الضرائب الكثيرة المباشرة وغير المباشرة ،
 
ويبين لنا أين ذهبت المعونات التي تأتينا من الخارج ،
 
ويوضح لنا أين تذهب أرباح الشركات والمصانع والمؤسسات ،
 
 ويعلل لنا سبب بيع كثير من مشروعات الدولة وأراضيها المميزة بأسعار زهيدة لا تكاد تفي بثمن إجراءات عمليات البيع،
 
ويكشف لنا سر الحرائق الموسمية التي تبدأ عادة قبل عمليات  جرد الحسابات السنوية حتى لا تنكشف العورات .
 
وبمثل هؤلاء لا يمكن أن تتقدم دولة ، أو ترتقي أمة ، أو ينهض شعب ، أو تنجح خطة لا خمسية   ولا عشرية مهما كانت عبقرية من وضع تلك الخطط  ......فبِمَ ينشغل الناسُ حتى لا يفكروا في فساد هؤلاء  ولا في محاسبتهم ومحاسبة من عيَّنَهم  ؟!
 
ينشغل الناس من خلال أمرين :
 
1-    أن يستكين الناس للحاكم دون اعتراض على حكمه ، وينشغلون بأنفسهم وأمانيهم التافهة عنه ، وذلك إن نجح الحاكم في قتل روح الأمل في نفوسهم ، وسيطر اليأس والقنوط على قلوبهم ، واستقر في أعماقهم أن ما هم فيه هو أفضل الموجود .
 
2-    أن يصنع الحاكم لهم عدوا وهميا لينشغلوا بمحاربة ذلك العدو ، وينسون ما هم فيه من فساد واستبداد .
 
أ‌-       والعدو قد يكون خارجيا .... وقد استغل كثير من الحكام وجود إسرائيل في المنطقة ليكتموا أنفاس شعوبهم بحجة الانشغال بالمعركة ضد العدو المحتل ، ويكفينا مثال على ذلك ذاك الشعار الذي رفعه جمال عبد الناصر وهو " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة " ، فباسم الاستعداد للمعركة الفاصلة التي ستقذف بإسرائيل في البحر : حَرَمَ جمالُ عبد الناصر الناسَ من الحريات ، وفتح لهم السجون والمعتقلات ، وزوَّر الانتخابات ، وبدد الثروات ، وحَكَّمَ في رقابِ الناسِ الإمعاتِ ممن لا يساوي الواحد منهم ثمن الحذاء الذي يلبسه في قدمه .
 
 
ب‌-  وقد يكون العدو داخليا ... وهو ما نسميه اليوم بالإرهاب .
 
وصناعة الإرهاب تتم من خلال طرق كثيرة ،  منها  :
 
1-    الطريقة الأولى من خلال إيقاع الظلم بفئات معينة داخل المجتمع تطالب بالحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة ، ومحاسبة المسؤولين ، فعندئذ تلفق لهم التهم ، وتفتح لهم السجون ، وتشوه صورتهم في الإعلام ، ويُعذبون ، وتُغلق أمامهم أبواب العدالة ، وتهدر دماؤهم ، وتنتهك أعراضهم ، وتُسلب أموالهم ... كل ذلك أملا في لجوء بعض أفرادهم للانتقام ممن آذوه ، فيسهل حينئذ وصفهم بالإرهاب ، وينسى الناسُ مطالبَهم باجتثاث الفساد ، حتى تنتهي الدولةُ – كما خططتْ - من القضاء على الإرهاب .
 
2-    الطريقة الثانية هي لجوء الدولة لعمل تفجيرات ، أو اغتيال شخصيات أو تدبير محاولات اغتيال فاشلة ، ثم تبدأ حملة إعلامية ضخمة تتهم الإرهابيين الجبناء العملاء ، وتذيع الفضائيات وتنشر الصحف والمجلات أخبارا يومية أو شبه يومية عن تفكيك قنبلة في مكان كذا ، وإحباط عملية تفجير في مكان كذا ، والقبض على مجموعة إرهابية في شقة كانت تعد لاغتيال شخصية كبيرة ، وقد تظهر بعض الشخصيات على شاشة التلفاز تعترف أمام الناس بجريمتها ، وهكذا يعيش الناس في خوف ورعب ينسيهم ما كانوا يطالبون به من تحسين خدمات ، ورفع الأجور والمرتبات .
 
وتفيض عشرات المذكرات التي كتبها  ضباط ما نسميه بثورة الضباط الأحرار في 23يوليو 1952م ، بكثير من تلك الوقائع ، نقرأ ذلك في مذكرات محمد نجيب ، وخالد محي الدين ، وعبد اللطيف البغدادي ، وحسن التهامي ، وجمال حماد ، وغيرهم وغيرهم .
 
 
 
كما تحدثت عشرات الكتب العربية والأجنبية عن أساليب سيطرة الطغاة على شعوبهم ، وكانت صناعة الإرهاب على يد أجهزة الأمن من أكثر الأساليب التي لجأ إليها الطغاة لضمان استمرار حكمهم ، والتفلت من محاسبة الناس لهم .
 
 
 
إن ما نسميه اليوم بالإرهاب ، إنما هو صناعة مخابراتية ، وتجهيزات أمنية ، المقصود منها إرهاب الناس حتى ينشغلوا بها عن محاسبة الحكام ، ومؤاخذة المفسدين .
 
 
 
 وبالقضاء على الاستبداد والطغيان والانقلابات العسكرية ستنتهي حتما تلك الصناعة البغيضة ، وتختفي من حياتنا تلك المفردات الكريهة ...مفردات الإرهاب والتفجيرات والاغتيالات ... أرجو الله تعالى أن يقرب ذلك اليوم ، وما ذلك على الله بعزيز .