حازم سعيد :

 

فاجأني أحد القريبين من دوائر الثورة على العموم والإخوان على الخصوص بحديث له عن السلمية المفرطة التي تمتع بها الإخوان كأحد أهم فصائل الثورة على مدار عقود مضت ، متسائلاً متعجباً : متى ينتفض الإخوان للقصاص لدماء شهدائهم وهم غالبية شهداء ثورة 25 يناير حتى يومنا هذا مروراً بمذبحة رابعة والنهضة وما قبلهما وما تلاهما ؟ ومتى ينتفضون من أجل المغتصبات ؟ ومتى ينتقمون لتحرير أسراهم في سجون الاحتلال العسكري ، وكان محور حديثه أن السلمية عند الإخوان لصيقة بهم كأنها عندهم أحد ثوابتهم الفكرية والمنهجية ، فأجبته بكلمات أحببت أن أنقلها لقارئي الكريم ، عسى أن ينتفع بها كاتبها وقارؤها على السواء .

 

سلميتنا أقوى من الرصاص

كان مما احتج به صديقي علي كلمات فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين على منصة رابعة : " سلميتنا أقوى من الرصاص " ، وأحسب أن لهذه الكلمات ( التي تبنيتها يوماً ما ) ظروف خاصة جداً لا يجوز تعميمها ولا إسقاطها على غيرها .

ذلك أن الظرف الذي قيلت فيه وتفخيخ المشهد الذي كان يقوم به الانقلابي الخسيس ما كان ليسمح لك لتستخدم أي ردع في الصراع ، خاصة مع تأخر الإخوان والثوار في الإعداد ، رغم أن شعار الإخوان المسلمين كان ولا يزال : " وأعدوا " وبجوار المصحف سيفان ما يعني اقتران الإعداد التربوي الإيماني بالإعداد البدني الجهادي ، ورغم ذلك لم يعد الإخوان .

قد ألتمس عذراً للإخوان ( بعاطفتي ) أن الظروف وتكوين الحاضنة الشعبية بعد الخروج من السجون الناصرية ومتغيرات الساحة الدولية والإقليمية والمحلية ، ما كانت تسمع لك بهذا الإعداد ، أما أن يستمر بعض المنتسبين لهذه الدعوة أو الدوائر القريبة منها على هذا الظن أو السلوك بعد أن راينا ما رأينا وعاينا ما عينا ، فهذا ما لا أتخيله أو أتصوره ، ولا أحسب عاقلاً يتخيله أو يتصوره .

 

تجربة القسام .. والفارق بين اليهود وبين الاحتلال العسكري لمصر

وتجربة القسام في فلسطين خير شاهد ودليل ، وما كان لصمود حماس في غزة أن يستمر بعد عون الله وقوته إلا بإعداد العدة من خلال كتائب القسام ، والحق الذي لا تجد له قوة تحميه فلابد أن يباد ، (نعم .. إذا لم يتملك الحق قوة تحميه فإن معنى ذلك الإبادة ) .

ولا يقال أن القسام تواجه عدواً واضحاً ظاهراً هو اليهود في فلسطين ، فإني لا أحسب عاقلاً يميز بين اليهود وبين الاحتلال العسكري لمصر والذي هو أداة وذراع للتحالف الصليبي الصهيوني العالمي .

ولقد ارتكب الاحتلال الصليبي الصهيوني ( المسمى بالعسكري ) من الجرائم والموبقات ما يجعله جديراً بأن يكون أعلى من سادته مغتصبي فلسطين المحتلة حيث لا يجرؤون على أن يمارسوا عشر ما مارسه الاحتلال العسكري بمصر من جرائم وموبقات ، وسلوا المجاهد رائد صلاحه وإخوانه .

الاحتلال العسكري بمصر ارتكب السرقة والسطو وانتهاك الأعراض ( للذكور والإناث على السواء ) بالسجون والمعتقلات ، وسحل وشرد وعذب بأبشع طرق وآليات التعذيب ، وقتل بفجور في الشوارع والميادين بطريقة الإبادة الجماعية ، وسجن وشرد وطارد ، وصادر أموال ، وسخر وازدرى وعطل شرائع الإسلام وغير مناهج التعليم وحذف منها ما يمت للشريعة أو الجهاد أو الإسلام أصلاً بصلة ، وتم ذلك بورش عمل داخل الكنيسة المتطرفة .

باختصار شديد : الاحتلال العسكري انتهك المقاصد الخمسة للشريعة الإسلامية بفجور شديد فحارب الدين وانتهك العرض وصادر وطارد وسجن العقل ، وقتل النفس وصادر الأموال ، فمن هذا الذي يجرؤ أن يفرق بينه وبين الصليبية والصهيونية العالمية ، بل قد تكون المقارنة من الوجهة الإنسانية ووجهة العدل والحق ظالمة للصهيونية والصليبية .

 

هل السلمية من ثوابت الدعوة ؟

وأنا هنا لا أستطيع الاقتناع أبداً برأي من يزعم أن السلمية من ثوابت دعوة الإخوان المسلمين ، بل العكس هو الصحيح ، فإن أحد أهم مبادئنا الخمسة هو : الجهاد سبيلنا .

والإخوان دعوة تستمد أصولها وجذورها من دعوة الإسلام التي فيها : " بعثت بالسيف بين يدي الساعة " والتي فيها : " الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة " ، والتي فيها : " نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي " .

واثنان من أركان البيعة التي بايعت الله عليها كأخٍ من الإخوان هو الجهاد والتضحية  ، ودورهما في الأركان بعد الفهم والإخلاص والعمل .

والجهاد في الإسلام هو الجهاد بمعناه ومبناه ، ولو أراد أحد تفريغه من مضمونه لفروعه ومراتبه ودرجاته من أمثال كلمة الحق عند سلطان جائر أو جهاد النفس يكون مخطئاً ، فهذه فروع للأصل الذي هو الجهاد بمعناه اللازم الشرعي الأصولي المنصرف  إلى جهاد الكفار وقتالهم، من المعاندين ، والمحاربين ، والمرتدين ، وكذلك جهاد البغاة  ، ونحوهم، ومقصوده إعلاء كلمة الله عز وجل .

                                

متى تكون السلمية ؟ ومتى يكون رد الاعتداء ؟

فهل يعني ذلك أن الإخوان سيسيرون في الشوارع والطرقات يقتلون الناس ويحاربون الآمنين .

لا يستطيع عاقل أن يزعم أن هذا لازم كلامي ، فالإخوان كانت ولا زالت وستظل تدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وتجادل الناس بالتي هي أحسن ، وأقاموا من المشاريع الخيرية والمدارس والمستشفيات والمعارض وأعمال البر ويخالطون الناس بالحسنى دائماً وأبداً ، وما الحاضنة الشعبية التي تكونت للإخوان وحولهم إلا ثمار هذا الأداء والفعل المستمد من الإسلام .

أنا هنا أفرق بين الناس البسطاء والمسالمين حتى من يخالفوني في المنهج ، وبين المعتدين البغاة من العسكر الخائنين والشرطة الآثمة والقضاة المجرمين والإعلاميين المحرضين الذين اغتصبوا العرض وانتهكوا الأرض وقتلوا النفس وحرقوا الجثث . هذه كفة وتلك كفة أخرى .

وإن ما أطالب به الثوار – على العموم - ، والإخوان – على الخصوص - ، وأحثهم عليه وأنافح عنه هو أن يكون لهم شوكة تردع وترد الاعتداء وتكسر الظالمين وتفت في عضدهم وترعبهم ، وتقتص للأعراض والدماء التي سالت ، وهذا لازم هذه المقالة .

وإني أظن أن من أعظم ما أنتجه الانقلاب العسكري ، ومراجعات الثوار لأدائهم عبر السنين هو الخروج بنتيجة عقلية منطقية واضحة – ولا تصادم الشرع لأن ذلك هو الضابط الأساسي ، فنحن لا نطيق غضب رب العالمين – هذه النتيجة هي : أنه لابد من إعداد ، ولابد للثورة من شوكة وقوة تحميها وتقتص لها . فهل يختلف معي أحد في ذلك ؟!

-------------

 

[email protected]