د/ محمد عبد رب النبي  - دكتورة فى علم اصول الفقة

لا خلاف في أن حاجة الناس إلي الدين ضرورية فوق حاجتهم إلي كل شيء ، إذ إنه ينفع صاحبه في الدنيا والآخرة ويدفع عنه مضرتهما ، ويسمو به فوق شهواته الآنية ، ونوازعه الأنانية ويهذب طبيعته ويساير فطرته ( فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم)(الروم: من الآية30) ومن ثم كانت الضرورة في حفظه .

والمقصود بحفظ الدين يتجسد في حفظ معانيه الثلاثة – الإسلام ، الإيمان ، الإحسان – كما عبر عن ذلك الإمام الشاطبى في موافقاته ، ولتمام تحقيق ذلك ، جاءت الشريعة بمجموعة من الأحكام والتصرفات المنوطة بهذه المهمة تتمثل في حفظ الدين من جانب الوجود ، وحفظه من جانب العدم .

ولقد لخص الإمام العز بن عبد السلام هذين الجانبين في قوله : { الحمد لله الذي خلق الإنس والجن ليكلفهم أن يوحدوه ، ويعبدوه ، ويقدسوه ، ويحمدوه ، ويشكروه ، ولا يكفروه ، ويطيعوه ، ولا يعصوه ، وأرسل إليهم رسوله ليعزروه ، ويوقروه ، ويطيعوه ، وينصروه ، فأمرهم علي لسانه بكل بر وإحسان وزجرهم علي لسانه عن كل إثم وعدوان ، وكذلك أمرهم بالمعاونة علي البر والتقوى ، ونهاهم عن المعاونة علي الإثم والطغوي . وحثهم علي الإقتداء والاتباع ، كما زجرهم عن الاختلاف والابتداع … وكذلك أمرهم بتحصيل مصالح إجابته وطاعته ، ودرء مفاسد معصيته ومخالفته إحساناً إليهم وانعامأ ما عليهم } ” قواعد الأحكام ½ ” 
فأجمل الإمام جانبي المحافظة علي الدين ومراتب كل جانب متمثلة فيما يلي :-
أولاً : مراتب حفظ الدين من جانب الوجود : 
تعني بحفظ الدين من جانب الوجود تحصيله علي سبيل الإبتداء ، وابقاؤه علي سيبل الدوام .

ومراتب حفظ الدين متفاوته ، منها ما يقع في رتبة الضرورة والأصل بالنسبة لبقية المراتب ، وهي التصديق والاعتراف بوجود الحقيقة الكبرى وهي مرتبة الإيمان بالله واليوم الآخر .

– ومنها ما يقع في رتبة الحاجة : وهي العبادة والعمل بناء علي الأوامر الجازمة ، وهذه مرتبة توابع الإيمان المكملة لمقصوده كالصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج .

– ومنها ما يقع في رتبة التزيين والتحسين وهي نوافل الخير وكل الأعمال التي تعتمد علي أوامر غير جازمة ، وهذه تلي مرتبة الرتبة الثانية وتكملها مثل نوافل الصلوات قال تعالي : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)(النساء: من الآية136) وقوله صلي الله عليه وسلم : ( بني الإسلام علي خمس : شهادة أن لا إله إلا الله …….. ) ” البخاري ومسلم ” وقال تعالي : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)(البقرة: من الآية183) .

ولذلك قال العز بن عبد السلام حين تحدث عن هذه المراتب قال عن الإيمان : { الإيمان بالله أشرف من كل إيمان } ” شجرة المعارف : 52 ” .
وقال عن المرتبة الثانية : { والمقصود من العبادات كلها إجلال الإله ، وتعظيمه ومهابته ، والتوكل عليه والتقويض إليه ،والتقرب إليه } ” قواعد الأحكام 1/205 ، 211 ” .
وقال عن المرتبة الثالثة – أي النوافل – [ وما شرعت الطاعات إلا لإصلاح القلوب والإحسان ، ولنفع العباد في الآجل والمعاد ، إما بالتسبب أو المباشرة ، وطاعة الأبدان بالأقوال والأعمال نافعة بجلبها لمصالح الدارين ، وبدرئها لمفاسد الدارين أو إحداهما ] ” قواعد الأحكام 1/167 ” .
ثانياً : مراتب حفظ الدين من جانب العدم :
ويقصد بها دفع القواطع التي تؤدي إلي ضياع الدين بمشروعية الجهاد في سبيل الله بالأنفس والأموال ، وقتال الزنادقة ، ومحاربة الابتداع في الدين ، ومعاقبة المبتدعين والسحرة ، وتحريم المعاصي ومعاقبة من يقترفوها بالحد أو بالتعزير .
ويتمثل هذا الحفظ في اجتناب مخالفة الدين أو الحذر من الشيطان . ومن ثم وضع الإسلام عدة منهيات علي رأسها : الكفر والشرك ثم تتدرج إلي النهي عن البدع ثم النهي عن موالاة الكافرين وكتمان ما أنزل الله ثم النهي عن المعصية التي لأجلها شرعت الحدود .
فالكفر أكبر الكبائر ، والبدعة ثانيها وإماتتها واجب شرعي قال أبن عبد السلام : [ طوبي لمن تولي شيئا من أمور المسلمين فأعان علي إماتة البدعة وإحياء السنة ] ” الترغيب عن صلاة الرغائب ص 10 ” .
ويتحقق هذا الجانب من جهة الأفراد بإقامتهم الجهاد الأكبر المتمثل في تخليص النفس من خيوط الشيطان وسلطان الهوى ، وحفظ الفرد من أن يتطرق إليه ما يشوش عليه اعتقاده ويفسده ، وتجنيب الفرد مواقع الشهوات والفحشاء والمنكر: (َ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر)(العنكبوت: من الآية45) قال أبو حامد الغزالى { وما يكف عن الفحشاء فهو جامع لمصالح الدين } ” وثناء القليل 161 ” 
ويتحقق من جهة المجتمع بالنهي عن الفتنة في الدين لأنها بمثابة القتل بل أشد منه أثراً وخطراً قال تعالي : ( وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ)(البقرة: من الآية191) والجهاد لحماية البيضة والذب عن الحوزة الإسلامية وتمكين الدين في الأرض ، ودفع ما يؤدي إلي أبطال أصول الدين القطعية ، ومنع الابتداع غير المشروع .
– وأخيراً فهذه مراتب حفظ بناء الدين وجوداً وعدماً ، ولا يثبت البنيان بدون دعائمه ، وبقية خصال الإسلام كتتمة البنيان ، فإذا فقد منها شيء نقص البنيان وزال بزوالها .
والله تعالي أعلي وأعلم،،،
المراجع :
1- قواعد الأحكام لأبن عبد السلام
2- شجرة المعارف لأبن عبد السلام .
3- مفتاح دار السعادة لأبن القيم
4- شفاء الغليل للغزالي .
5- المقاصد العامة للشريعة الإسلامية لأبن زغبية
6- المقاصد العامة للشريعة الإسلامية د./ يوسف حامد العالم