04/07/2011

د. محمد عبد الرحمن

 من ضوابط العلاقات مع الأفراد والتجمعات:

الإخوان كما سبق أن أشرنا يعتبرون أنفسهم جماعةً من جماعات المسلمين، ضمن الانتماء الواسع لأمة الإسلام، وهم مقتنعون تمام الاقتناع بأهدافهم ومبادئهم؛ حيث هي مستمدة من الإسلام ودعوته، وأنهم يجتهدون بأنفسهم لتحقيق هذه المبادئ في أنفسهم وفي حركتهم، لا يحتكرون الدعوة إلى الله، ويقدمون التعاون والتنسيق على الخصومة والشقاق.

 ويدعون كل مسلم فَهِمَ دعوتهم إلى أن ينضمَّ إليهم عن قناعة ورغبة، ومن امتنع عن ذلك أو كان معها وتركها لم ينزع عنه أحد صفة الإسلام أو يحرمه من العمل للإسلام.

 والجماعة تلزم نفسها بما ألزمها به الإسلام، وثوابت الإسلام هي ثوابت الجماعة، ثم هناك درجة أخرى من العزيمة يحتاجها العمل المنظَّم وضوابط الجماعة، فلها أن تضع من الضوابط ما تلزم به نفسها وأفرادها، بشرط ألا يخالف أصلاً شرعيًّا، فمن رضي بذلك وبايع عليه وشملته الجماعة وانتسب بذلك إليها، كان عليه الالتزام بضوابط الجماعة ورؤيتهم وأهدافهم والاستجابة لقيادتهم، ومن لم يعجبه ذلك فارقها وانفصل عنها دون استعداء عليه.

 وعليه أن يكون واضحًا في موقفه حازمًا في أمره، وباب الجماعة مفتوح لكل من أراد أن يدخلها، ولكن بالشروط والضوابط التي تضعها، وإلا فقدت الجماعة كيانها وتميزها، وذابت قدرتها على التنظيم والحركة، وهي لم تبدأ دعوتها هكذا، ولم تواجه الشدائد والمحن بانفراط عقدها.

وتاريخيًّا كانت هناك عشرات الحالات من المفارقة ومن التساقط على طريق الدعوة؛ لأسباب مختلفة، فكانت الجماعة تحترم الضعف البشري والإرادة الشخصية، ولا تنسى الجهد الطيب الذي كان مبذولاً من أحد، ولا تهتك ستر أحد، ولا تسقط عنه حقوق المسلم العامة في المعاملة والحياة، وكان من هؤلاء حالات هاجمت الدعوة تبريرًا لموقفها، فلم ترد عليهم الجماعة بنفس أسلوبهم أو تعتدِ عليهم، ولم تتهم أحدًا بكفر أو فسوق أو نفاق وإنما تكل أمرهم إلى الله.

 وقد يصدر تساؤل: هل لا يعمل للإصلاح والدعوة إلا أصحاب الفهم الشامل للإسلام، وإذا لم يكن في جماعة من الجماعات، فليس عليه واجبٌ نحو الدعوة؟

 نقول: إن الفهم الشامل الصحيح لمبادئ الإسلام واجبٌ على كل مسلم ليستكمل إيمانه، هذا في مجال الفهم، وأن عليه العمل والإصلاح بما فهمه وعلمه حتى ولو كان شيئًا بسيطًا، وأمامنا حديث رسول الله: "لا تحقرن من المعروف شيئًا".

 ومع وجوب وجود من يقوم بالدعوة والإصلاح والعمل الجماعي وفق الرؤية الشاملة والأهداف الكاملة التي جاء بها الإسلام، إلا أن هذا لا يمنع الأفراد والتجمعات المختلفة من الدعوة والعمل في جزئية من الجزئيات أو فرعية من الفرعيات، فكل هذا صور من البر والعمل الصالح المطلوب، لكن لا يجعل هؤلاء الأفراد من أنفسهم معوقًا للجهود الجماعية ومخذلاً لها، فيحترم الدور الذي تؤديه وينصح لها ويدافع عن مبادئ الإسلام التي تدعو إليها، وليعلم أن العمل الجماعي درجته أرقى وأعلى وأوجب من مستوى العمل الفردي، وكلا الأمرين مقبول عند الله، طالما خلصت النوايا.

 وعن سلوك الداعية مع المجتمع، يقول الشهيد سيد قطب في الظلال: "... فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ودٍّ يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم، في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء، ويحمل همومهم ولا يعنيهم بهمه، ويجدون عنده دائمًا الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضا، وهكذا كان قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم (أ.ه).

 هل الوصول للحكم هدف في ذاته:

ونشير هنا في ختام الحديث إلى أنه إذا كان تحقيق الأهداف العليا لعودة أمة الإسلام كيانًا واحدًا وخلافةً راشدةً على منهاج النبوة، يستلزم أولاً تحقيق هدف إصلاح الحكم؛ لتكون هناك الحكومة والدولة التي تقيم أحكام الإسلام وتطبق شريعته، وتؤدي الرسالة المطلقة بها.

 فإن هذا لا يعني أن القفز على الحكم والوصول إليه يكون بأي طريق أو أنه مجرد هدف لذاته، بل يكون ذلك عبر أصول وأركان يجب توفرها أولاً، أهمها تربية الجيل المؤمن الذي يشكل أساس هذا الحكم، وتهيئة الشعب المسلم وإصلاح أمره؛ حتى يكون قادرًا على إقامة الحكم الإسلامي والحفاظ عليه وأداء الرسالة المطلوبة.

 إن الإخوان يرفضون منهج الانقلاب والثورات وأسلوب القفز على الحكم، فهذا ليس من منهاجهم ولا يتفق مع أسلوب تربيتهم للأمة وتكوينهم للمجتمع، يقول الإمام الشهيد: "وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها، ولا يعتمدون عليها، ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها" أ. هـ.

إنهم لا يهدفون إلى هدم نظام أو مجرد تغيير باطل يُستبدل بعد ذلك بنظام آخر أو بباطل من نوع آخر، إنما هم يستهدفون إقامة البناء الإسلامي المتكامل في المجتمع والأمة بأركانها كلها، بناءً راسخًا قويًّا يتحمل كل الضغوط ويواجه كل التحديات ويؤدي الواجب المطلوب منه، وهذا الهدف الضخم أكبر وأوسع من مجرد تغيير نظام حكم أو استبدال حاكم، وهذا هو الفرق بين أصحاب الدعوة وحملة الرسالة وبين أصحاب السعي للكرسي والعمل للمناصب ولو كان له شرعية قانونية.

 تذكرة في الختام:

وقد يستعجل بعض الأفراد، ويرى أن معنى هذا زمن طويل وعشرات أو مئات السنين لكي يتحقق أو ينظر إلى واقع التحدي الذي تواجهه الأمة، فلا يتخيل كيف يحدث هذا!!.

 أولاً: إن اليقين بنصر الله وتحقيق هذه الأهداف وعودة الأمة الإسلامية كما أراد الله لها أن تكون، جزءٌ من الإيمان الذي يجب أن يكون عليه المسلم، فهو إيمان بوعد الله وتصديق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 ثانيًا: يغيب عن الإنسان العامل الرباني في تقدير الأمور ومشيئته المطلقة في تسيير الأحداث ومسار الزمن، وأن هناك حكمة في هذه المراحل وفي تهيئة التمكين لدينه، فما نحن إلا ستار لقدرة الله عز وجل.

 ثالثًا: إن علينا استفراغ الجهد وبذل النفس والنفيس والثبات على دعوة الله، وحسن التوكل عليه والأخذ بأسباب النصر ومراعاة سنن الله، وأن الأمر يحتاج إلى أجيال، وهي في عمر الحضارات ليست بالشيء الكثير.

 رابعًا: إن مقياس الإنسان الزمني لمعدل الإنجاز تحكمه الرؤية البشرية القاصرة، فعندما يهيئ الله الأحداث ويأذن بتحقيق وعده، يتضاعف معدل الإنجاز، وما يتم في عشرات السنين قد يتحقق في فترة وجيزة، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته مثال على ذلك، فقد استمروا في جهادهم وثباتهم ما يزيد على العشر سنوات ومعدل الانضمام قليل، ولكن في أقل من عامين دخل العشرات والمئات من الأنصار دين الله، ثم قامت دولة الإسلام.

 خامسًا: إن مسئوليتنا الأساسية عند المحاسبة أمام الله عز وجل تقوم على سلامة القصد، ومدى الإخلاص، وعلى مدى صحة الخطوات، ومطابقتها لشرع الله، وليس على النتائج، فإن أصبنا كان لنا أجر الفائزين، وإن أخطأنا كان لنا أجر المجتهدين، مع وضوح أن استفراغ الجهد البشري بكل الوسائل يقع ضمن الاجتهاد البشري في صحة الخطوات، وأن الداعية بإخلاصه وتجرده يدرك بعمق وبتطبيق عملي مبدأه وشعاره أن "الله غايته".

 والله أعلم وهو يهدي السبيل.

_______

* تنويه: يدخل ضمن سلسلة: "المفاهيم الإسلامية في مجال الدعوة" تحت الطبع.

________

* عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين