يتواصل النزيف الإنساني في السودان، مع تسجيل موجة نزوح جديدة في إقليم كردفان، بالتزامن مع احتدام المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وفشل المساعي السياسية حتى الآن في إيقاف الحرب التي تدخل عامها الثالث، مخلفة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
نزوح جديد في كردفان خلال يومين
أعلنت منظمة الهجرة الدولية عن نزوح 2615 شخصًا من ولايتي جنوب وشمال كردفان خلال يومين فقط، نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية والمعارك المتصاعدة.
تفاصيل حركة النزوح
1475 نازحًا من مدينة كادوقلي (عاصمة جنوب كردفان).
180 شخصًا من مدينة الدلنج.
60 شخصًا من بلدة دلامي.
900 شخص من قرية الشول بمحافظة بارا في شمال كردفان.
وأكدت المنظمة أن النازحين توزعوا على مواقع مختلفة داخل ولايات جنوب كردفان وشمال كردفان وولاية النيل الأبيض، محذرة من أن الوضع الأمني لا يزال «متوترًا ومتقلبًا للغاية».
حصار ممتد ومعارك مفتوحة
تعاني مدينتا كادوقلي والدلنج من حصار تفرضه قوات الدعم السريع والحركة الشعبية المتحالفة معها منذ الشهور الأولى للحرب، بينما تشهد ولايات إقليم كردفان الثلاث (شمال، غرب، جنوب) اشتباكات عنيفة منذ أسابيع أدت إلى نزوح عشرات الآلاف.
وبحسب بيانات سابقة للمنظمة، بلغ عدد النازحين في ولايات كردفان الثلاث 50 ألفًا و445 شخصًا خلال الفترة من أواخر أكتوبر حتى منتصف ديسمبر.
مبادرة حكومية للسلام أمام مجلس الأمن
في محاولة لاحتواء التصعيد، عرض رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس مبادرة حكومية للسلام خلال جلسة إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي.
أبرز بنود المبادرة
- وقف شامل لإطلاق النار تحت رقابة مشتركة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية.
- انسحاب قوات الدعم السريع من جميع المناطق التي تسيطر عليها.
- نزع سلاح القوات الموصوفة بـ«المليشيا».
- إعادة إدماج المقاتلين غير المدانين في الحياة المدنية.
- إطلاق حوار سوداني–سوداني خلال الفترة الانتقالية.
- إنهاء المرحلة الانتقالية بانتخابات عامة برقابة دولية.
وأكد إدريس أن المبادرة تهدف إلى حماية المدنيين وحقن الدماء والحفاظ على السلم الإقليمي والدولي.
انتقادات مدنية وتشكيك في جدية المبادرة
قوبلت المبادرة برفض وانتقادات واسعة، إذ اعتبر تحالف القوى المدنية الثورية (صمود) أن الطرح الحكومي لم يقدم جديدًا، ويمثل محاولة لإعادة تدوير خطاب الحرب، محذرًا من أن المبادرة تفتح الباب أمام «سوق مبادرات شكلية» بدلًا من الانخراط الجاد في مسار السلام.
وأشار التحالف إلى أن الحكومة تسعى لإظهار نفسها كطرف باحث عن السلام، بينما تُجهض عمليًا المبادرات الأكثر واقعية لوقف القتال.
موقف الحكومة واشتراطات وقف النار
من جانبه، أكد وزير العدل السوداني عبد الله درف أن الحكومة طرحت رؤية متكاملة للسلام تتوافق مع المبادرة السعودية–الأميركية، مشددًا على أن وقف إطلاق النار مرهون بتنفيذ قوات الدعم السريع لرؤية الحكومة.
رؤية الحكومة
الحفاظ على سيادة الدولة ووحدة أراضيها.
عدم قبول أي دور سياسي أو عسكري مستقبلي لقوات الدعم السريع.
تحميل الدعم السريع مسؤولية الانتهاكات بحق المدنيين.
اعتبار ما يجري «عدوانًا مدعومًا من أطراف خارجية».
تصعيد عسكري وتبادل السيطرة في شمال كردفان
ميدانيًا، أعلنت قوات الدعم السريع استعادة السيطرة على بلدة علوبة جنوب شرقي مدينة الأبيض، بعد ساعات من إعلان الجيش السيطرة عليها، مؤكدة رفضها مبادرة وقف الحرب.
تطورات ميدانية بارزة
- تضييق الخناق على مدينة الأبيض، وفق تصريحات الدعم السريع.
- هجمات بالطائرات المسيرة على مناطق عدة في شمال وغرب كردفان.
- تدمير سيارات قتالية وتحييد عناصر مسلحة.
- تراجع الاشتباكات المباشرة مقابل تصاعد حرب المسيرات.
ويرى خبراء عسكريون أن السيطرة على كردفان تمثل نقطة استراتيجية تمكّن الجيش من التقدم نحو دارفور، بوصفها عقدة مواصلات ومركز ثقل ميداني.
رفض صريح من الدعم السريع
سياسيًا، رفض مستشار قائد الدعم السريع الباشا طبيق مبادرة الحكومة، واصفًا إياها بأنها «خطاب إقصائي متهالك»، واعتبر مطالب الانسحاب ونزع السلاح طرحًا غير واقعي.
وأضاف أن تجاهل جذور الأزمة البنيوية للدولة السودانية يجعل أي مبادرة مجرد واجهة شكلية، في ظل استمرار هيمنة تيارات سياسية بعينها على القرار.
حرب ممتدة وذاكرة مثقلة بالمجازر
تأتي هذه التطورات في سياق حرب أوسع تعصف بالسودان منذ أبريل 2023، لكنها تمتد في جذورها إلى عقود من العنف، خصوصًا في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
مقابر جماعية وجرائم بلا عدّ
تقارير دولية تشير إلى توسع المقابر الجماعية.
مذكرات توقيف دولية سابقة بحق مسؤولين سودانيين.
شهادات عن إبادة ممنهجة وجرائم ضد الإنسانية.
أكثر من 13 مليون نازح داخل البلاد وخارجها.
شهادات الفاشر.. الجحيم كما يرويه الناجون
كشفت تقارير صحفية دولية، بينها تحقيق موسع لصحيفة نيويورك تايمز، عن فظائع غير مسبوقة في مدينة الفاشر، حيث تحدث ناجون عن إعدامات ميدانية، واغتصاب، وحصار خانق دفع عشرات الآلاف إلى الفرار نحو تشاد.
ويروي لاجئون قصصًا عن فقدان أفراد أسر كاملة، وابتزاز، واحتجاز مقابل فدية، وسط انهيار شبه كامل للخدمات الطبية والإنسانية.

