في مشهد يعكس الانفصال التام عن الواقع المؤلم الذي يعيشه المواطن المصري، أعلنت حكومة الانقلاب عن تخصيص 800 فدان بمدينة العلمين الجديدة لإقامة "مدينة أوليمبية متكاملة" باستثمارات تتجاوز 4 مليارات جنيه.
القرار، الذي يأتي وسط أزمة اقتصادية طاحنة وغلاء فاحش، يطرح تساؤلات حادة حول جدوى بناء منشآت ترفيهية في الصحراء، بينما تعاني قطاعات حيوية كالصحة والتعليم من نقص التمويل، في استمرار لسياسة "الخرسانة أولاً" التي أغرقت البلاد في الديون.
بنية تحتية بلا رؤية ومصيرها الإهمال
انتقد الخبير الدولي في اللوائح الرياضية، محمد بيومي، هذا التوجه، مؤكداً أن بناء المدن الأوليمبية يجب أن يرتبط بخطط حقيقية لاستضافة بطولات وتجهيز أبطال، وليس مجرد "بناء حجارة".
وأشار بيومي إلى أن مصر تمتلك بالفعل منشآت رياضية ضخمة لكنها غير مستغلة بشكل اقتصادي، محذراً من أن المدينة الجديدة في العلمين قد تتحول إلى عبء مالي إضافي على الدولة بدلاً من أن تكون مصدراً للدخل، خاصة في ظل غياب البطولات الدولية المنتظمة التي يمكن أن تغطي تكاليف التشغيل الباهظة لهذه المنشآت الفاخرة في منطقة موسمية كالعلمين.
استثمار بلا عائد حقيقي و"شو إعلامي"
من جانبه، شكك اللواء زهير عمار، خبير التسويق والاستثمار الرياضي، في الجدوى الاقتصادية للمشروع، واصفاً إياه بأنه قد يندرج تحت بند "الشو الإعلامي" أكثر منه استثماراً مدروساً.
وأوضح عمار أن الاستثمار الرياضي الناجح يتطلب دراسات جدوى دقيقة حول معدلات الإشغال المتوقعة طوال العام، وهو ما تفتقده مدينة العلمين التي تعاني من الركود في غير شهور الصيف.
وأضاف أن إنفاق 4 مليارات جنيه على منشآت ترفيهية ورياضية في هذا التوقيت يعد مخاطرة غير محسوبة، خاصة أن العائد المتوقع من "السياحة الرياضية" لن يكفي لسداد فاتورة الإنشاء والصيانة، مما يعني استنزافاً مستمراً لموارد الدولة الشحيحة أصلاً.
المظاهر تسبق المضمون والأولى دعم الأبطال
وفي سياق متصل، أكد الناقد الرياضي محمد البرمي أن المشكلة ليست في نقص الملاعب، بل في غياب منظومة صناعة البطل الأوليمبي.
وأشار البرمي إلى أن المليارات التي ستُهدر في خرسانات العلمين كان من الأجدر توجيهها لدعم الاتحادات الرياضية المفلسة واللاعبين الذين يعانون من ضعف الإمكانيات، مما يؤدي لهروبهم وتجنيسهم في دول أخرى.
واعتبر البرمي أن بناء مدينة أوليمبية جديدة هو "قفز على الأولويات"، فالدولة التي تعجز عن توفير معسكرات إعداد لائقة لأبطالها الحاليين، لا ينبغي لها أن تنفق المليارات على منشآت ستظل خاوية معظم أيام السنة، لتصبح مجرد ديكور في صحراء الساحل الشمالي.
في النهاية، يبدو مشروع المدينة الأوليمبية في العلمين كحلقة جديدة في سلسلة مشاريع "الفنكوش" التي تستنزف مقدرات الشعب المصري لصالح صورة براقة زائفة، بينما يظل الواقع الرياضي والمعيشي للمواطن يزداد بؤساً يوماً بعد يوم.

