تركّز كلمة رئيس حركة حماس في غزة، خليل الحية، على ترسيم ملامح المرحلة المقبلة في ضوء اتفاق وقف إطلاق النار، والتشديد على مشروعية سلاح المقاومة ورفض أي وصاية على قطاع غزة. تؤسس هذه الكلمة لرؤية سياسية وأمنية تسعى لربط الكفاح المسلح بالمسار السياسي والإغاثي والإنساني، مع دعوة واضحة إلى إعادة تنظيم إدارة القطاع على أسس مهنية مستقلة.

 

سلاح المقاومة وشرعية الكفاح

 

يشدد خليل الحية على أن سلاح المقاومة الفلسطينية حق مشروع كفلته القوانين الدولية لكل الشعوب الواقعة تحت الاحتلال، ويربط هذا الحق بهدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. يعلن الحية انفتاح الحركة على دراسة أي مقترحات تحفظ هذا الحق، ما يعني استعدادًا لمناقشة ترتيبات أمنية أو سياسية دون المساس بجوهر سلاح المقاومة بوصفه أداة حماية للشعب وردعًا للاحتلال. كما يؤكد أن المقاومة نجحت في كسر أسطورة الرد الإستراتيجي الإسرائيلي وادعاءات التفوق الأمني، وأسهمت في إرباك وإضعاف الرواية الإسرائيلية التي سيطرت لعقود، إضافة إلى تأثيرها على مشاريع التطبيع في المنطقة.

 

أولويات حماس في اتفاق وقف إطلاق النار

 

تضع حماس، بحسب الحية، مجموعة من الأولويات في التعامل مع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، تبدأ باستكمال المرحلة الأولى من الاتفاق، بما يشمل إدخال المساعدات الإنسانية والمعدات الطبية اللازمة لتأهيل المستشفيات والمراكز الصحية والبنية التحتية المدمرة. كما يشدد على ضرورة فتح معبر رفح في الاتجاهين لضمان تدفق المرضى والجرحى والاحتياجات الأساسية للسكان. وتتمثل أولوية أخرى في تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، والمتعلقة بالانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من القطاع وبدء مشاريع إعادة الإعمار بشكل منظم وممول. في هذا السياق، يعلن الحية تمسك حماس والفصائل الوطنية بالاتفاق، مع رفضها القاطع لكل أشكال الوصاية أو الانتداب على الشعب الفلسطيني، ما يعكس تخوفًا من أي ترتيبات دولية تُفرغ الاتفاق من مضمونه السيادي.

 

إدارة غزة ولجنة التكنوقراط

 

من النقاط اللافتة في الكلمة دعوة الحية إلى تشكيل لجنة تكنوقراط مستقلة فورًا لإدارة قطاع غزة، على أن تكون من مستقلين فلسطينيين، مع تأكيد جاهزية حماس لتسليمها الأعمال في كل المجالات وتسهيل مهامها. تعكس هذه الدعوة رغبة في تخفيف العبء الإداري عن الحركة وتوجيه الاهتمام إلى ملف المقاومة والتحديات السياسية والأمنية، مع الحفاظ على حضورها السياسي. كما يربط الحية هذه الخطوة بالعمل المشترك مع الفصائل، والتوافق على قضايا وردت في خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غزة، في إطار تفاهمات سابقة بين الفصائل والحركة. في موازاة ذلك، يحدد دور ما يسمى بـ"مجلس السلام" في رعاية تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وتمويل والإشراف على إعادة الإعمار، مع تقييد مهمة أي قوات دولية بحفظ وقف النار والفصل بين الجانبين على حدود القطاع، دون تدخل داخل غزة أو في شؤونها الداخلية.

 

الخروقات الإسرائيلية والعمل الوطني المشترك

 

يحذر الحية من استمرار الخروقات الإسرائيلية للاتفاق، عبر إعاقة دخول المساعدات واستمرار التدمير والاغتيالات، وآخرها اغتيال القيادي في كتائب القسام رائد سعد، ما يهدد بإفشال مسار التهدئة. لذلك يدعو الوسطاء، وخاصة الضامن الأساسي الإدارة الأميركية والرئيس ترامب، إلى إلزام الاحتلال باحترام الاتفاق ومنع انهياره. داخليًا، يؤكد الحية الحرص على العمل المشترك مع القوى والفصائل الفلسطينية لتحقيق الوحدة الوطنية وبناء مرجعية وطنية جامعة تسعى إلى استعادة الحقوق، وفي مقدمتها حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. كما يضع قضية الأسرى في مقدمة أولويات الحركة وفصائل المقاومة، من خلال العمل لتحسين ظروفهم الإنسانية وإنهاء الممارسات القمعية ضدهم، على طريق تحريرهم الكامل ضمن أي ترتيبات مستقبلية.

 

البعد الإنساني والقانوني في خطاب حماس

 

لا تغيب المعاناة الإنسانية عن كلمة الحية، إذ يدعو إلى تحرك مكثف للإغاثة وإنهاء الأزمات الناتجة عن حرب الإبادة على غزة، حتى لا تتكرر المأساة كما حدث في المنخفض الجوي الأخير وما رافقه من كوارث في خيام ومنازل الفلسطينيين. يلفت كذلك إلى استمرار معاناة الفلسطينيين في الضفة الغربية وأراضي 48، في ظل تسارع الاحتلال لفرض مشروعه الاستيطاني على الأرض وسط عجز وصمت دولي. وفي البعد القانوني، يدعو الحية إلى ملاحقة الاحتلال وقادته قانونيًا وعزلهم سياسيًا ومحاكمتهم أمام المحاكم الدولية على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة. بذلك يحاول الخطاب الربط بين المقاومة الميدانية، والحراك السياسي، والتحرك القانوني الدولي في إطار رؤية شاملة لمواجهة المشروع الصهيوني.

 

واخيرا فان كلمة خليل الحية ترسم ملامح مرحلة تحاول فيها حماس الجمع بين تثبيت شرعية السلاح، وتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، وإعادة إعمار غزة، مع الحفاظ على استقلال القرار الفلسطيني ورفض الوصاية. كما تبرز الكلمة حرصًا معلنًا على الشراكة الوطنية وتوسيع قاعدة إدارة القطاع، بالتوازي مع تصعيد خطاب المحاسبة القانونية للاحتلال والسعي لعزله سياسيًا، في محاولة لتحويل تضحيات غزة ومعاناتها إلى رافعة سياسية وقانونية تعزز مشروع التحرر الفلسطيني بدل أن تبقى مجرد مأساة إنسانية متكررة.