شهدت قرية دنوشر بمركز المحلة الكبرى حريقًا هائلًا داخل مزرعة دواجن، أسفر عن نفوق نحو 7 آلاف دجاجة دفعة واحدة، في حادث جديد يضاف إلى سلسلة حرائق لا تكاد تتوقف في مزارع الدواجن بعدة محافظات.
ورغم نجاح قوات الحماية المدنية في منع امتداد النيران إلى عنابر أخرى، فإن الخسائر الاقتصادية والمعنوية لأصحاب المزرعة وللسوق المحلية تعكس حجم الفوضى وضعف الرقابة على اشتراطات السلامة في هذا القطاع الحيوي.
تفاصيل الحريق وخسائره الكارثية
اندلع الحريق داخل أحد عنابر المزرعة الواقعة على أطراف قرية دنوشر، عقب بلاغ بتصاعد ألسنة لهب وأدخنة كثيفة من داخل المكان، ما استدعى انتقال الحماية المدنية بعدة سيارات إطفاء وفرض كردون أمني حول الموقع.
وبحسب المعاينة الأولية، أتت النيران على محتويات العنبر بالكامل، وتسببت في نفوق حوالي 7 آلاف دجاجة كانت في مرحلة التسمين وقبيل طرحها في الأسواق، وهو ما يعني ضياع دورة إنتاج كاملة لأصحاب المزرعة في لحظات.
ورغم عدم تسجيل خسائر بشرية، فإن حجم الخسارة في الثروة الداجنة ينعكس مباشرة على أسعار السوق وأوضاع العمال البسطاء الذين يعتمدون على هذه المزارع كمصدر رزق رئيسي.
أسطوانة غاز تتسبب في حريق شامل
التحقيقات الأولية كشفت أن السبب المباشر للحريق هو انفجار أسطوانة غاز تستخدم في عمليات التدفئة داخل المزرعة، بعد تسرب للغاز أدى لاشتعال النيران بسرعة هائلة داخل العنبر. الاعتماد على أسطوانات غاز ودفايات بدائية في عنابر مغلقة مليئة بالمواد القابلة للاشتعال، مثل نشارة الخشب والعلف الجاف والبلاستيك، يحوّل أي تسريب بسيط إلى قنبلة موقوتة لا تحتاج أكثر من شرارة لتلتهم كل شيء.
هذه ليست المرة الأولى؛ فحوادث مشابهة تكررت في مزارع أخرى بالفيوم ومحافظات مختلفة، وكان العامل المشترك بينها سوء تصميم أنظمة التدفئة وضعف الصيانة وعدم وجود حساسات تسرب أو إطفاء ذاتي فعال.
أثر الحريق على الفلاحين وسلسلة الغذاء
نفوق آلاف الدواجن في حريق واحد لا يعني خسارة صاحب المزرعة فقط، بل يضرب حلقة كاملة في سلسلة الإنتاج الغذائي؛ من المربي الصغير الذي يستدين لشراء العلف والكتاكيت، إلى العامل اليومي، إلى تاجر التجزئة والمستهلك النهائي.
في ظل الارتفاع الكبير لتكلفة الأعلاف والطاقة والأدوية، فإن خسارة دورة إنتاج كاملة تدفع كثيرًا من صغار المربين إلى الخروج من السوق أو الغرق في الديون، ما يفتح المجال أمام كبار المحتكرين للسيطرة أكثر على السوق ورفع الأسعار كيفما يشاؤون.
ومع غياب منظومة تأمين فعّالة ضد حرائق المزارع لصالح صغار المنتجين، يتحول كل حريق إلى حكم بالإعدام الاقتصادي على أسرة أو أكثر تعيش على هامش الفقر.
حرائق لا تنتهي.. أين الدولة والرقابة؟
تكرار حرائق مزارع الدواجن بنفس السيناريو: تسريب غاز، أو ماس كهربائي، أو أحمال زائدة على شبكات متهالكة، يفضح غياب سياسة وطنية جادة لفرض معايير السلامة الإلزامية في هذا القطاع. ما يحدث اليوم هو ترك آلاف المزارع تعمل بوسائل تدفئة بدائية، دون تفتيش دوري حقيقي، أو اشتراطات صارمة لتركيب أنظمة إنذار مبكر وإطفاء أوتوماتيكي، ودون برامج تدريب للعمال على إدارة المخاطر.
الأخطر أن سلطات الانقلاب تتعامل مع كل حريق كخبر عابر: محضر شرطة، بيان بسيط، ثم نسيان، بينما لا تُنشر نتائج تحقيقات واضحة ولا تُحمَّل الجهات المقصّرة مسؤولية تنظيمية أو جنائية جادة، ما يشجع عمليًا على استمرار الاستهتار بأرواح الناس وأرزاقهم.
حان وقت إطفاء الإهمال قبل إطفاء النيران
الحريق الذي أدى إلى نفوق 7 آلاف دجاجة في المحلة الكبرى ليس حادثًا استثنائيًا، بل حلقة جديدة في سلسلة كوارث تؤكد أن البلد يعيش “وباء حرائق” في مزارع الدواجن والورش والمخازن، تغذّيه شبكة من الإهمال وغياب الرقابة وارتفاع تكاليف الأمان التي يُترك صغار المربين لمواجهتها وحدهم.
استمرار هذه الحرائق يعني مزيدًا من ضرب الأمن الغذائي وذبح ما تبقى من إنتاج محلي لصالح المستوردين وكبار المحتكرين، بينما تكتفي حكومة الانقلاب ببيانات شكلية دون خطة شاملة لفرض معايير سلامة وتقديم دعم فني وتمويلي للحلول الآمنة.
انتقاد هذه الظاهرة لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية؛ فحريق اليوم يلتهم دجاجًا وحظائر، لكنه غدًا قد يلتهم أرواحًا بشرية أكثر، وما لم تُطفأ نار الإهمال والفساد الإداري والتراخي الرقابي، فلن تنتهي أخبار “حريق هائل” و“نفوق آلاف الطيور” من عناوين الصحف، ولن يهنأ الفلاح المصري ولا المستهلك بلقمة آمنة وسعر عادل.

