في أول ظهور دولي بارز له ضمن فعاليات النسخة الـ23 لمنتدى الدوحة 2025 في العاصمة القطرية، شن الرئيس السوري أحمد الشرع هجومًا دبلوماسيًا لاذعًا على الممارسات الإسرائيلية، واضعًا المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه ما وصفه بـ"محاولات تل أبيب تصدير أزماتها الداخلية" إلى دول الجوار.
وتحت شعار "ترسيخ العدالة من الوعود إلى الواقع الملموس"، كشف الشرع عن أرقام صادمة لحجم الانتهاكات التي تعرضت لها سوريا، مشيرًا إلى أن البلاد واجهت أكثر من ألف غارة جوية ونفذت إسرائيل نحو 400 توغل بري داخل الأراضي السورية، في انتهاك صارخ للسيادة الوطنية والقوانين الدولية.
المنطقة منزوعة السلاح: فخ أمني جديد
أكد الشرع في كلمته أن المطلب الإسرائيلي بإقامة منطقة منزوعة السلاح تمتد من دمشق وحتى المنطقة العازلة في الجولان، هو طرح "خطير" من شأنه أن يدخل سوريا في نفق مظلم من التهديدات الأمنية.
وتساءل الرئيس السوري باستنكار عن الجهة التي ستتولى حماية هذه المنطقة في حال غياب الجيش السوري، معتبرًا أن هذا الفراغ الأمني لن يخدم سوى المخططات الإسرائيلية للتوسع.
وشدد على أن دمشق تتمسك بالتزام تل أبيب باتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، التي نظمت الوضع الحدودي لعقود قبل أن تنهار فعليًا في ديسمبر الماضي.
وأوضح الشرع أن المنطق يقتضي أن تطالب الضحية، وهي سوريا التي تتعرض للهجمات المستمرة، بمنطقة عازلة وبانسحاب المعتدي، وليس العكس.
تأتي هذه التصريحات ردًا مباشرًا على الشروط التي وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي صرح مؤخرًا بأن بلاده تتوقع إقامة منطقة خالية من السلاح في العمق السوري، وهو ما ترفضه دمشق جملة وتفصيلًا.
انهيار اتفاق 1974 وتصاعد التوتر الحدودي
سلط التقرير الضوء على السياق التاريخي والميداني المتوتر، حيث كانت اتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974 تشكل الإطار القانوني للفصل بين القوات، عبر خطي "ألفا" و"برافو" ومنطقة عازلة تحت إشراف قوة الأمم المتحدة (الأندوف).
إلا أن هذا الترتيب انهار في الثامن من ديسمبر 2024، حين أعلنت إسرائيل رسميًا تنصلها من الاتفاقية، وقررت احتلال منطقة جبل الشيخ الاستراتيجية المحاذية للجولان المحتل، مستغلة حالة التحول السياسي في سوريا عقب الإطاحة بنظام بشار الأسد.
وفي تطور ميداني خطير، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الأيام الماضية هجومًا عنيفًا على قرية "بيت جن" في جنوب سوريا، وُصف بأنه الأعنف منذ عام. وقد أدانت دمشق هذا الهجوم، واصفة إياه بـ"الجريمة المتكاملة الأركان" و"الاعتداء الإجرامي"، مما يؤكد استمرار النهج العدواني الإسرائيلي في استباحة الأراضي السورية تحت ذرائع أمنية واهية.
حراك دولي ومفاوضات شائكة
على الصعيد الدبلوماسي، حققت سوريا نصرًا معنويًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي اعتمدت قرارًا يطالب إسرائيل بالانسحاب من الجولان المحتل بأغلبية 123 صوتًا. ورغم هذا الدعم الدولي الواسع، جاء الرد الإسرائيلي متعنتًا عبر سفيرها داني دانون، الذي أكد رفض بلاده القاطع للانسحاب.
وفي سياق متصل، كشف الشرع عن انخراط دمشق في مفاوضات مباشرة مع الجانب الإسرائيلي، لافتًا إلى قطع شوط جيد نحو التوصل إلى تفاهمات. لكنه وضع شرطًا جوهريًا لأي اتفاق نهائي، وهو ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية إلى خطوط ما قبل 8 ديسمبر 2024، وإلغاء التغييرات الميدانية التي فرضتها بقوة السلاح مؤخرًا.
ويأتي هذا في ظل موقف أمريكي لافت، حيث أصدر الرئيس دونالد ترامب تحذيرًا طالب فيه إسرائيل بعدم عرقلة استقرار سوريا، رغم تصويت بلاده ضد قرار الانسحاب من الجولان، مما يعكس تعقيد المشهد الدولي المحيط بالأزمة السورية.

