استيقظ أهالي محافظة مطروح صباح اليوم السبت على فاجعة دموية جديدة، حولت الطريق الساحلي الدولي –الذي يتباهى النظام بتطويره– إلى ساحة حرب مفتوحة. عند مدخل مدينة "رأس الحكمة"، تلك البقعة التي بيعت بمليارات الدولارات لتتحول إلى منتجعات للأثرياء، دفعت الطبقة المطحونة الثمن من دمائها وأرواحها.
حادث تصادم مروع بين ثلاث سيارات (سيارة أجرة "ميكروباص" تقل ركابًا بسطاء، وسيارة نقل ثقيل "تريلا"، وسيارة ربع نقل) أسفر فورًا عن مصرع شخصين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، وإصابة 4 آخرين بجروح خطيرة، في مشهد يلخص المعادلة الصفرية لهذه الدولة: طرق ممهدة لخدمة "البيزنس"، ومصائد موت تحصد أرواح المواطنين.
تفاصيل "الدهس".. عندما تفرم "التريلات" سيارات الفقراء
لم يكن الحادث مجرد تصادم عابر، بل عملية "دهس" مكتملة الأركان. وفقًا لشهود العيان والإخطار الأمني، وقعت الكارثة عندما التحمت كتل الحديد الضخمة المتمثلة في سيارة النقل الثقيل –التي تسابق الزمن لخدمة مواقع الإنشاءات– مع سيارة الأجرة المكتظة بالمواطنين وسيارة ربع نقل.
النتيجة كانت فورية ومروعة: جثتان تم استخراجهما من بين الحطام ونقلهما إلى مشرحة مستشفى مطروح العام، وأربعة مصابين يصارعون الموت، إصاباتهم شاهدة على عنف الارتطام الذي لم يترك للسيارات الصغيرة فرصة للنجاة.
هذا الحادث وقع تحديدًا عند مدخل رأس الحكمة، وكأن هناك "لعنة" تطارد البسطاء عند أبواب هذه المدينة؛ فالشاحنات العملاقة التي تنقل مواد البناء لبناء "الجنة الموعودة" للمستثمرين، هي نفسها التي تفرم "التاكسي" الذي ينقل الغلابة، في ظل غياب تام لأي رقابة مرورية حقيقية تضبط وحشية النقل الثقيل على الطرق السريعة.
سيارات الإسعاف تجمع الأشلاء.. والمسؤولون "في التكييف"
بينما كانت دماء الضحايا لا تزال رطبة على الأسفلت، وسيارات الإسعاف تهرع لنقل ما تبقى من الأجساد، اكتفت الأجهزة الأمنية بـ "تحرير محضر" ونقل الجثث "تحت تصرف النيابة". هذا الروتين البارد هو أقصى ما تقدمه الدولة لضحاياها. لا حديث عن محاسبة شركات النقل التي تطلق سائقيها كالوحوش على الطرق، ولا حديث عن عيوب هندسية في مداخل ومخارج الطرق السريعة التي تحولت إلى نقاط سوداء للحوادث.
المشهد في مستشفى مطروح العام كان مؤلمًا، حيث تجمع ذوو الضحايا لاستلام جثامين ذويهم، بينما وقف أهالي المصابين ينتظرون بقلق مصير أبنائهم، ليكون هذا الصباح السبت يومًا أسود جديدًا يضاف إلى سجل "إنجازات" الطرق الملطخة بالدماء.
من الشمال للجنوب.. الأقصر تنزف أيضًا
وكأن الموت يوزع حصصه بالتساوي في ظل هذا العهد، لم تكن مطروح وحدها الثكلى. ففي أقصى الجنوب، وتحديدًا في منطقة البغدادي بالأقصر، كانت الدماء تسيل أيضًا مساء أمس. حادث تصادم عنيف بين دراجتين ناريتين على طريق فرعي بنجع أبو الحمد أسفر عن إصابة 3 أشخاص بكسور ونزيف داخلي، نُقلوا على إثره للمجمع الطبي الدولي في حالة حرجة.
هذا التزامن بين كارثة "رأس الحكمة" ومأساة "الأقصر" يكشف أن الفشل واحد، سواء على الطرق الدولية الفاخرة أو الطرق الداخلية المنسية. المواطن محاصر بالموت أينما ذهب؛ إن لم تدهسه تريلات المستثمرين في الشمال، حطمته فوضى الطرق المتهالكة في الجنوب.
شبكة طرق أم "مقبرة مفتوحة"؟
تنسف هذه الوقائع الدامية كل الدعاية الحكومية حول "الطفرة الإنشائية" في الطرق والكباري. فما قيمة الطريق إذا كان المرور عليه يعني المخاطرة بالحياة؟
الأرقام لا تكذب: مليارات تُنفق على الأسفلت، ومع ذلك لا تزال مصر تتصدر معدلات حوادث الطرق المميتة. والسبب واضح: الأولوية هي لسرعة النقل والجباية (الرسوم)، وليست لأرواح البشر.
لقد تحولت الطرق المحيطة بالمشروعات القومية الكبرى (مثل رأس الحكمة والعلمين) إلى "ممرات موت" للأهالي، حيث تسير شاحنات الشركات بسرعة جنونية، مستقوية بنفوذ أصحاب المشاريع، بينما يدفع سائق الأجرة والمواطن العادي الثمن.
الخلاصة: إن دماء القتيلين في مطروح وأنين المصابين الأربعة، وصرخات ضحايا الأقصر، هي لائحة اتهام مباشرة في وجه حكومة تهتم بجمال "المدخل" الاستثماري أكثر من اهتمامها بحياة البشر الذين يعيشون حوله.

