في مشهد يعيد للأذهان مآسي التهجير في رفح والوراق وجزيرة الوراق، استيقظت منطقة المرج، أحد أكثر أحياء القاهرة اكتظاظاً بالسكان والفقر، على دوي جرافات الهدم وأصوات صراخ النساء والأطفال. قوات الأمن التابعة لنظام "الانقلاب" لم تأتِ لحماية المواطنين، بل جاءت مدججة بالهراوات والغاز لتنفيذ حملة إخلاء قسري وحشي، ممهدة الطريق أمام بلدوزرات الهدم لتمحو منازل البسطاء من الوجود، تحت ذريعة "توسعة الطريق الدائري" و"إنشاء محاور مرورية"، في حلقة جديدة من مسلسل "التنمية العقارية" التي تبني الكباري فوق أنقاض وحياة المصريين.

 

إرهاب الدولة.. الأمن في مواجهة العُزّل

 

كشفت المقاطع المصورة والاستغاثات التي ضجت بها منصات التواصل الاجتماعي عن الوجه القبيح لما تسميه السلطة "تطويراً". قوات الأمن لم تكتفِ بالحصار، بل مارست اعتداءات جسدية مباشرة لإجبار الأهالي على ترك منازلهم التي بنوها بدمائهم وعرقهم عبر عقود.

 

في فيديوهات مروعة تداولها النشطاء، ظهرت مدرعات الشرطة وهي تقتحم الشوارع الضيقة، بينما يقف الأهالي العزل بصدورهم العارية في محاولة يائسة لحماية مأواهم الوحيد. هذه المشاهد ليست "إزالة إشغالات" كما يروج إعلام النظام، بل هي عملية "تطهير عمراني" ممنهجة تستهدف الفقراء، حيث يتم التعامل مع المواطن كأنه "عقبة" يجب إزالتها وليس بشراً له حقوق دستورية وإنسانية.

 

 

"تعويضات" وهمية.. سرقة مقننة لأملاك الشعب

 

الأخطر في هذه الجريمة هو ما يتعلق بملف "التعويضات". فبينما يتحدث وزير النقل ورئيس الوزراء في الغرف المكيفة عن "تعويضات عادلة"، يصرخ الواقع في المرج بحقيقة مغايرة تماماً. الأهالي يؤكدون أن ما يُعرض عليهم – إن عُرض أصلاً – هو "فتات" (52 إلى 55 ألف جنيه للوحدة) لا يكفي لشراء "عشة" في المناطق العشوائية، ناهيك عن شقة آدمية في ظل الأسعار الجنونية التي تسبب فيها فشل النظام الاقتصادي، حيث يتجاوز سعر الوحدة المماثلة في نفس المنطقة 200 ألف جنيه.

 

التقارير تشير إلى أن الحكومة تتعمد المماطلة في صرف المستحقات، أو تقديرها بأسعار قديمة لم تعد تساوي شيئاً بعد انهيار العملة. وبهذا، يتحول المشروع القومي المزعوم إلى عملية "نصب رسمية"، حيث تُنتزع الملكيات الخاصة بالقوة الجبرية، ويُلقى بآلاف الأسر في الشارع بلا مأوى وبلا تعويض حقيقي، ليواجهوا مصيرهم المجهول في العراء.

 

 

"محاور" الموت.. مشاريع لخدمة الأغنياء على حساب الفقراء

 

تحاول الأذرع الإعلامية للنظام تبرير هذا الخراب بضرورة إنشاء "7 محاور مرورية" (مثل محور مؤسسة الزكاة ومحور الترولي) لفك الاختناق. لكن السؤال الذي يطرحه أهالي المرج: لمصلحة من تُشق هذه الطرق؟ هل لخدمة المواطن المطحون الذي لا يملك ثمن تذكرة المترو، أم لتسهيل حركة المرور نحو المدن الجديدة والكومباوندات التي يسكنها علية القوم؟

 

إن مخططات النظام في المرج، كما في ألماظة والحي السادس وغيرها، تكشف عن عقيدة عمرانية مشوهة؛ عقيدة ترى في "الأسفلت" و"الخرسانة" قيمة أعلى من الإنسان. فبدلاً من تطوير المنطقة والارتقاء بحياة سكانها، اختار النظام الحل الأسهل والأكثر وحشية: إزالة البشر من أجل توسيع الطريق. هذا النهج لا يعكس فقط فشلاً في التخطيط، بل يعكس عداءً مستحكماً للطبقات الفقيرة التي باتت تدفع ثمن فشل النظام من أمنها واستقرارها.

 

الخاتمة: صرخة أخيرة قبل الطوفان

 

ما يحدث في المرج اليوم ليس مجرد إزالة لعقارات مخالفة، بل هو جريمة متكاملة الأركان ضد الإنسانية وضد الحق في السكن. النظام الذي يدعي بناء "الجمهورية الجديدة" يؤسسها اليوم على أنقاض بيوت المرج ودموع أمهاتها. وإذا لم يتحرك المجتمع المدني والحقوقي لوقف هذه المجزرة العمرانية، فإن جرافات السلطة لن تتوقف عند حدود المرج، بل ستطال كل شبر في مصر يقف في طريق "بيزنس" الجنرالات ومخططاتهم العشوائية.