في وقت يتصاعد فيه الجدل حول تداعيات قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتوجيه وزارتي الخارجية والعدل لدراسة تصنيف فروع جماعة الإخوان المسلمين في مصر والأردن ولبنان كـ“منظمات إرهابية”، تشهد الساحة المصرية عودة لواحدة من أكثر السياسات القضائية إثارة للانتقادات، وهي المحاكمات الجماعية التي تُتهم السلطات باستخدامها ضد المعارضين السياسيين منذ عام 2013.

 

قرار ترامب، الذي صدر الاثنين الماضي، أثار قلقًا واسعًا في صفوف حقوقيين ومراقبين دوليين، الذين حذروا مما اعتبروه “فرصة ذهبية” قد يستغلها عبدالفتاح السيسي لتمرير إجراءات قمعية جديدة ضد المعارضين، وتبريرها بتغير الموقف الأمريكي.

 

ويرى محللون أن القرار الأمريكي قد يوفر سلطات السيسي غطاء سياسيًا يسمح بتخفيف الانتقادات الغربية، ويفتح الباب أمام تشديد القبضة الأمنية، وعودة الملاحقات الجماعية، وطي صفحة أي حديث عن مصالحة سياسية مع جماعة الإخوان السلمين.

 

توقعات بتصعيد جديد واستغلال سياسي

 

سبق للدكتور عصام عبدالشافي، رئيس “أكاديمية العلاقات الدولية”، أن صرّح بأن المرحلة المقبلة قد تشهد “مزيدا من الاستهداف الأمني، واعتقالات، وربما حالات قتل خارج إطار القانون واختفاء قسري لبعض الشخصيات”.

 

وبالفعل، لم يمر وقت طويل حتى بدأت السلطات في إعادة تفعيل المحاكمات الجماعية، حيث نظرت “الدائرة الثانية إرهاب” الأسبوع الماضي قضية “الهيكل الإداري للإخوان بالتجمع”، التي يُحاكم فيها 124 مواطنًا عن وقائع تعود إلى الفترة بين 1992 و11 أغسطس 2024.

 

إحالات أوّلها سياسيون وحقوقيون.. والأعداد تتّسع

 

وفي خطوة أكثر إثارة للجدل، أعلنت “نيابة أمن الدولة العليا” إحالة 50 مواطنًا لمحكمة الجنايات، بين حضوري وغيابي، بناءً على اتهامات ذات طابع سياسي مثل:

 

– قيادة وتمويل جماعة أُسست على خلاف القانون


– الانضمام لجماعة محظورة


– نشر أخبار كاذبة

 

وتضم القائمة أسماء بارزة من النشطاء والمعارضين في الخارج، منهم:


أنس حبيب، سعيد عباسي، عبدالرحمن فارس، إسلام لطفي، الباحث محمد عفان، إلى جانب أربعة سيدات، ونائب سابق.

 

ووفق الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، لم يتم إبلاغ المتهمين بمواعيد التحقيق أو المحاكمة، ولم يُمكّنوا من حقوقهم في الدفاع، الأمر الذي اعتبرته “انتهاكًا صارخًا للحق في المحاكمة العادلة”.

 

 

أنس حبيب يسخر من اتهامه

 

الناشط الحقوقي المقيم في هولندا، أنس حبيب (30 عامًا)، سخر من اتهامه بـ“تمويل وقيادة جماعة”، متسائلًا: “من أين لي بالمال؟”.

 

حبيب، المصنف على قوائم الإرهاب عرفته الساحة أخيرًا بعد قيادته حملة “غلق السفارات” المصرية في أوروبا احتجاجًا على العدوان على غزة. وقد تسببت نشاطاته في توقيف اثنين من أفراد عائلته داخل مصر.

 

 

كما قدّم حبيب عرضًا للسيسي يقضي بالإفراج عن المعتقلات مقابل تنازله عن دعوى ضد مؤيد للنظام اعتدى عليه في لندن.

 

إسلام لطفي: الحرية ليست مجانية

 

السياسي إسلام لطفي، أحد المحالين للقضية، قال إن “النضال ليس مجانيًا”، مؤكدًا أن الثمن الحقيقي “يدفعه آلاف المعتقلين”.

 

 

سعيد عباسي: القرار جاء بطلب من السيسي والإمارات

 

المعارض المقيم في الولايات المتحدة، سعيد عباسي، قال إن تصنيف الإخوان “لم يكن ليحدث دون ضغط من الإمارات والسيسي”.

 

وأكد أن “النظام يعلم أن معظم المحالين لا علاقة لهم بالإخوان”، معتبرًا أن الهدف هو “تصفية الحسابات مع معارضي الخارج”.

 

 

قراءة حقوقية: قمع داخلي وإرضاء خارجي

 

يرى الحقوقي هيثم أبوخليل أن سلوك النظام له شقان: إحكام السيطرة داخليًا عبر الترهيب القضائي والأمني، وإرضاء الحلفاء الإقليميين الذين يرون في استمرار حكم السيسي ضمانة لاستقرار المنطقة ومصالح إسرائيل والخليج.

 

وأضاف أن اختيار مجموعة متنوعة من النشطاء – بعضهم لا علاقة له بالإخوان – يؤكد “الاستغلال السياسي للقرار”.

 

أما الحقوقي أحمد ماهر، فأشار إلى أن الوضع داخل مصر “لم يعد يحتمل المزيد من القمع”، محذرًا من أن استمرار النهج الأمني قد يؤدي إلى “صراع صفري بين الدولة والمجتمع”.

 

تدهور أمني وإنساني داخل مصر

 

يشهد الداخل المصري منذ 2013:

 

  • موجات اعتقال واسعة
  • اختفاءات قسرية
  • تعذيب ممنهج
  • قتل خارج القانون
  • محاكمات سياسية تخضع للأجهزة الأمنية

 

وانتشر مؤخرًا مقطع فيديو لشاب يؤكد أمام المحكمة تعرضه لتهديدات باغتصاب زوجته ووالدته لإجباره على “اعترافات” لدى الأمن الوطني.
 

 

تصعيد في الملاحقات بالخارج

 

شهدت الفترة الأخيرة سياسة أكثر شراسة تجاه المعارضين بالخارج، تشمل:

 

– تهديدات من السفارات


– اعتقال ذوي المعارضين


– ملاحقة نشطاء عبر النشرة الحمراء


– نقل المعتقلين إلى سجون بعيدة وشديدة الحراسة

 

ومن بين من نُقلوا مؤخرًا: أحمد محمد مرسي، عمر فهمي، عبدالله عبد الدايم، وغيرهم.

 

تاريخيًا، حاولت مصر توقيف معارضين بالخارج عبر آليات دولية، مثل:


– الإعلامي أحمد منصور (ألمانيا – 2015)


– عبدالرحمن عز (ألمانيا – 2017)


– شريف عثمان (الإمارات)


– محمد محسوب (إيطاليا)


– الطبيب عبدالباسط الإمام (المغرب – 2024)

 

كما سلّمت دول عربية وآسيوية عشرات المطلوبين للقاهرة، بينهم رجل الأعمال السيد عاجز (البحرين – 2023)، والداعية علاء سعيد (إسبانيا – 2018).