محمد بيات
باحث ومحلل سياسي متخصص في شؤون السياسة الخارجية الإيرانية
بعد مرور نحو خمسة أشهر على الجولة الأولى من القتال بين إيران وإسرائيل، عادت مؤشرات احتمال اندلاع مرحلة ثانية من المواجهة بين هذين الفاعلين الإقليميين إلى التصاعد من جديد، مؤذنة باقتراب "ساعة الصفر" لمواجهة جديدة.
من أبرز هذه المؤشرات:
- تحركات لافتة في الأسواق العالمية.
- تسريع واشنطن تسليم صواريخ دقيقة وذات قدرة خارقة للتحصينات إلى إسرائيل.
- تصاعد الضغوط على حكومة جوزيف عون لنزع سلاح حزب الله وقطع مصادر تمويله.
- الاتصال الهاتفي التهديدي من بيت هيغسيث إلى وزير الدفاع العراقي بشأن الجماعات الموالية لإيران.
- الإجراءات الأمنية التي يتخذها الحرس الثوري في مضيق هرمز.
- المشاورات الأوروبية الأطلسية لإعداد خطة عاجلة لإعادة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
- التصعيد في التعامل مع الأنشطة النووية الجديدة لإيران مع التركيز على موقعي "كوه كلنك" و"طالقان-2″.
- إعادة فتح ملف الفضيحة الجنسية لجيفري إبستين.
- محاولات إشعال الفوضى الداخلية في إيران بالتركيز على أزمة الجفاف.
- واقتراب الاستحقاقات الانتخابية في الولايات المتحدة وفلسطين المحتلة، كل ذلك يُعد من المؤشرات الواضحة على ازدياد احتمالات شن هجوم جديد من قبل إسرائيل (وربما أميركا) على أهداف إستراتيجية داخل إيران.
خوف الأسواق العالمية والإقليمية من عودة شبح الحرب
في نوفمبر، ظل الخطر الجيوسياسي الناتج عن تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل من أبرز العوامل المؤثرة على الأسواق العالمية.
خلال حرب الـ12 يوما، ارتفع سعر نفط برنت في ذروة التوتر إلى نحو 81 دولارا للبرميل، وقفز مؤشر الخوف في الأسواق مثل "VIX" إلى ما فوق 20 نقطة، بينما اندفع المستثمرون نحو الأصول الآمنة مثل الذهب والدولار الأميركي.
تراجعت أسواق الأسهم العالمية في البداية خلال الحرب الأولى، لكنها تعافت بسرعة بعد اتضاح محدودية النزاع، ما يدل على أن الأسواق عادة ما تمتصّ المخاطر الجيوسياسية القصيرة الأجل، ما لم تحدث اضطرابات مستدامة في إمدادات الطاقة مثل إغلاق مضيق هرمز.
في الوضع الحالي، لا تزال احتمالية اندلاع حرب ثانية قائمة؛ نظرا لأن طهران لم توقف برنامجها النووي، كما أن السلطات الإيرانية جعلت من إعادة بناء القوة العسكرية أولوية إستراتيجية.
لذلك، حافظت الأسواق على "علاوة مخاطرة جيوسياسية" تتراوح بين 5 إلى 10 دولارات في سعر برميل النفط. كما تراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في منطقة الخليج، وإذا ما اشتعلت التوترات مجددا، فقد تتجاوز أسعار النفط حاجز 100 دولار، ويرتفع التضخم عالميا، ويُبطِئ النمو الاقتصادي.
تحركات الحرس الثوري في مضيق هرمز
ذكّرت حرب الـ12 يوما بعض النخب السياسية في إيران بأن الاضطرابات في أسواق الطاقة ما زالت تؤثر بشكل مباشر على الولايات المتحدة ومسار قرارات رؤسائها.
وقد عبّر دونالد ترامب عن هذا الأمر في منشور على منصة "تروث سوشيال"، حيث دعا إلى تنفيذ خطة "احفر، يا صغيري، احفر"، وطالب الدول المنتجة للنفط بخفض الأسعار، ما يعكس حساسية واشنطن تجاه آثار التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط على أسواق الطاقة.
ويعتقد خبراء اقتصاديون أنه إذا امتدت رقعة الحرب إلى مناطق أخرى من المنطقة، فإن احتمالية حدوث "قفزة" في أسعار النفط، وما يتبعها من تضخم في الأسواق الأميركية، ستكون مرتفعة للغاية. وقد تؤثر هذه الصدمة الاقتصادية بشكل مباشر على نتائج انتخابات الكونغرس النصفية.
وبحسب هذا التحليل، قامت وحدات الرد السريع التابعة للقوات البحرية في الحرس الثوري باعتراض واحتجاز ناقلة نفط تحمل اسم "تالارا" وترفع علم جزر مارشال. هذا الإجراء، الذي تم في الجهة الجنوبية للحدود البحرية الإيرانية، يُعد رسالة ذات دلالة عميقة لفريق ترامب الاقتصادي وللأسواق العالمية.
تزويد إسرائيل بصواريخ خارقة للتحصينات من قبل أميركا
بالتزامن مع توقف الحرب في غزة، استأنف الجيش الإسرائيلي حملة جديدة من الهجمات ضد أهداف مرتبطة بمحور المقاومة تمتد من لبنان إلى اليمن.
إضافة إلى الضربات الجوية الدقيقة، يواصل جهازا "أمان" و"الموساد" تنفيذ حملة اغتيالات تستهدف قادة بارزين، من بينهم رئيسا الأركان في جماعة أنصار الله، وفي حزب الله.
في هذا السياق، بدأت إسرائيل عملية شراء صواريخ موجهة من طرازات "MK-82″، و"MK-84″، و"BLU-117″، و"GBU-39B"، و"DLU-109″، و"DLU-110".
وبحسب المعلومات المنشورة، طلب الجيش الإسرائيلي، بالتنسيق مع "سنتكوم"، ثلاثة آلاف وحدة من كل نوع. وتبلغ قيمة هذه الصفقة العسكرية الجديدة عشرة مليارات دولار. وتشير التقديرات إلى أن الاتفاقية وُقعت في عهد إدارة بايدن، لكن تنفيذها يتم في عهد إدارة ترامب.
"إيران ضعيفة لكنها خطيرة"؛ إستراتيجية التمهيد لهجوم جديد
عقب الحرب الثالثة في لبنان وسقوط نظام بشار الأسد أواخر عام 2024، بدأت مراكز الفكر ووسائل الإعلام الموالية للمؤسسة الأميركية تدّعي بأن إيران و"محور المقاومة" في أضعف حالاتهما منذ سنوات.
وقد ساهم هذا التصوير المتعمد لقدرات إيران العسكرية والأمنية في دفع ترامب للموافقة على خطة هجوم شامل من قبل إسرائيل على إيران، مع تقديم الدعم الأميركي لاستهداف المواقع النووية في نطنز وفوردو.
ورغم أن ترامب ونتنياهو زعما بعد حرب الـ12 يوما أنهما دمّرا البرنامج النووي الإيراني وجزءا من القدرات الصاروخية، فإن وسائل الإعلام المدعومة من اللوبي الإسرائيلي في نيويورك عادت لتقود حملة نفسية جديدة من خلال نشر موضوعات مثل "غموض الملف النووي الإيراني"، و"المصير المجهول لـ408 كيلوغرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%"، و"مساعدة الصين في تعزيز القدرات الصاروخية الإيرانية"، و"إعادة بناء قدرات حزب الله بسرعة"؛ بهدف تهيئة الرأي العام لشن هجوم آخر على إيران.
إعادة فتح ملف جيفري إبستين
منذ 4 أغسطس 2025، حين نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، المملوكة للملياردير الصهيوني روبرت مردوخ، تقريرا يتضمن اسم دونالد ترامب في قضية فضيحة إبستين، تصدّر هذا الملف عناوين الأخبار الأميركية.
وتُعد هذه القضية شديدة الحساسية لدرجة أن بعض المحللين شبهوها بفضيحة بيل كلينتون. ويرى محللون إيرانيون أن الضغط الذي يمارسه رجال نفوذ مثل مارك ليفين، ونلسون بيلتز، وآيزاك بيرلموتر، وروبرت مردوخ على ترامب للدخول في مواجهة مباشرة مع إيران قبل اندلاع حرب يونيو المحتملة، يُثير احتمال أن يكون تسليط الضوء على ملف إبستين أداة ابتزاز من نتنياهو لدفع ترامب نحو الحرب.
أزمة الجفاف ومساعي خلق فوضى داخلية
الانخفاض الحاد في معدلات الأمطار في غرب آسيا، أدى إلى أزمة مياه في عدة دول ذات مناخ جاف. وتشير بعض المصادر إلى أن مخزون المياه فيما لا يقل عن 16 سدا داخل إيران قد انخفض إلى أقل من 10%.
وقد أدى تزامن هذا الوضع مع تفاقم التضخم الاقتصادي إلى تقليص "عتبة صبر المواطنين"، مما عزز آمال نتنياهو في إشعال أزمة داخلية في إيران.
وفي الأسابيع الأخيرة، وقعت سلسلة من الأحداث مثل نشر صور مزعومة تُظهر دعم بعض عناصر الجيش الإيراني لرضا بهلوي، وتسريب صور وفيديوهات خاصة بأفراد من عائلة شمخاني ورحيم صفوي، بالإضافة إلى حملة نفسية مكثفة تشنها حسابات ومنصات إعلامية مرتبطة بجهاز المخابرات الإسرائيلي، تسلط الضوء على أزمة المياه في طهران، في محاولة من تل أبيب لتهيئة الأرضية لفوضى داخلية تُمهّد للهجوم الثاني على أهداف إستراتيجية في إيران.
تغيير التوازن عبر تشديد الضغط على محور المقاومة
بعد مرور عامين على معركة "طوفان الأقصى"، يعتزم نتنياهو توجيه ضربة قاصمة لحلفاء إيران في المنطقة. فعلى الجبهة اللبنانية، اتهمت الحكومة الإسرائيلية بيروت بالفشل في نزع سلاح حزب الله ونشر الجيش اللبناني جنوب البلاد، مهددة بتوسيع نطاق هجماتها إلى شمال نهر الليطاني إذا لم يُنفذ بند القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن.
بناء الجدار الأمني الأخير من قبل الجيش الإسرائيلي قرب حدود جنوب لبنان، يعكس عزم نتنياهو على توسيع نطاق المعارك ضد حزب الله ومنع إعادة بناء ترسانته العسكرية.
وفي السياق ذاته، زار وفد من وزارة الخزانة الأميركية بيروت مؤخرا وأمهل السلطات اللبنانية 60 يوما لاتخاذ خطوات فاعلة لوقف تمويل الحزب، ما يُظهر تصعيدا غير مسبوق في الضغط.
وفي العراق، وخلال مكالمة بين بيت هيغسيث، وزير الحرب الأميركي، وثابت العباسي، وزير الدفاع العراقي، حذر هيغسيث من نية الولايات المتحدة شن عملية عسكرية ضد إحدى دول المنطقة، مؤكدا أنه سيتم التعامل بقوة مع أي رد فعل يصدر عن الفصائل الموالية لإيران.
اقتراب "ساعة الصفر"
سعي نتنياهو وحلفائه للفوز في انتخابات 2026، وتسارع وتيرة إعادة بناء الترسانة الصاروخية الإيرانية بدعم من الصين، وشراء أنظمة دفاع جوي وطائرات مقاتلة متطورة مثل "HQ-9B" و"سوخوي 35″، واستمرار سياسة "الغموض النووي"، والغموض الذي يحيط بمصير 408 كيلوغرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وتعثّر آفاق استئناف المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن- كل هذه العوامل تجعل من احتمالية اندلاع مواجهة جديدة بين إيران وإسرائيل أمرا أكثر ترجيحا من أي وقت مضى.
كما أن سعي طهران لمعالجة أوجه القصور السابقة وتعزيز القدرات الهجومية والدفاعية لقواتها المسلحة يجعل "الوقت" عاملا لا يخدم مصلحة نتنياهو. وفي ظل هذه المعطيات، بدأ العد التنازلي نحو "ساعة الصفر" للهجوم الإسرائيلي المرتقب على إيران.

