في مشهد يكشف حجم الانحطاط السياسي والأخلاقي للنظام المصري الحالي، تقبع أكثر من 300 سيدة خلف القضبان لا لجرم ارتكبنه ولا لخطأ، بل لمجرد امتلاك رأي مختلف أو ارتباط قرابة بمعارض للسلطة. الرقم ليس مجرد إحصائية حقوقية، بل إدانة دامغة لنظام حول المرأة المصرية إلى هدف مباشر لصناعة الخوف والانتقام السياسي.

 

من الرأي إلى العقوبة العائلية

 

النظام الذي يتغنى بـ"تمكين المرأة" هو نفسه الذي يزج بالأمهات، الطالبات، الناشطات وربات البيوت في السجون السياسية. بعض هؤلاء لم يرتكبن إلا جرم المشاركة في جروب مطبخ لدعم أهالي المعتقلين. البعض الآخر اعتُقلن عقابًا على منشور كتبه زوج أو ابن أو أخ، أو لرفع لافتة احتجاج، أو حتى لمجرد الانتماء لعائلة غير مرغوب فيها، كما حدث مع علا القرضاوي وعائشة الشاطر وحسيبة محسوب.

 

تحول الاعتقال من عقوبة فردية إلى عقوبة جماعية عائلية، تواجه فيها الأسرة بأكملها سيف السلطة، ويُهدد وجودها على مدار سنوات بالانتقام والإذلال.

 

الانتهاكات داخل السجون: التنكيل المستمر

 

لم تكتفِ السلطة بالتوقيف التعسفي، بل تجاوزت ذلك إلى انتهاكات ممنهجة داخل السجون: منع الزيارات لمدد طويلة، الحرمان من العلاج حتى في الحالات الحرجة، الحبس الانفرادي لأشهر وسنوات، قضايا ملفقة بتهم "معلبة"، وضغوط وتهديدات للأهل والأبناء، بل وصلت الانتهاكات أحيانًا إلى التعذيب الجسدي والتحرش.

 

هذه ليست "تجاوزات فردية" كما تدّعي السلطة، بل سياسة دولة كاملة ترى في وجود المرأة وسيلة فعّالة للترهيب وكسر إرادة المجتمع.

 

صمت مخزٍ من منظمات المرأة والحقوق الدولية

 

المشهد الكارثي لا يكتمل فقط بوجود 300 سيدة خلف الزنازين، بل بصمت مخزٍ من منظمات المرأة المصرية والدولية، التي تملأ الشاشات بالحديث عن "التمكين" وتخرس تمامًا أمام القمع السياسي بحق النساء. هذه المنظمات تتحرك بسرعة إذا اختلف فنان مع فنانة، لكن تلتزم الحياد (أو التواطؤ) عندما تسجن أمٌ أو طالبة أو صحفية رأيًا سياسيًا.

 

أما منظمات حقوق المرأة العالمية فهي صاحبة "نفاق معياري" مدفوع بالمصالح الجيوسياسية؛ تندد بحادثة إدارية في الغرب، وتصمت أمام انتهاكات ممنهجة في مصر بسبب دعم النظام من القوى الدولية.

 

السيدة المصرية بين القمع والصمود

 

رغم الواقع الأسود، لم تنكسر المرأة المصرية. رسائل الصمود تتسلل عبر الجدران، صمود يفضح سلطة حاولت تحويل الأسرة إلى رهينة، ويسجل شهادات مريرة لمرحلة خوف لم تشهد البلاد مثيلاً لها.

 

لكن الصمود وحده لا يكفي؛ لا بد من صوت يومي فاعل يضغط للإنهاء الفوري لهذه المأساة حتى لا تبقى معتقلة واحدة في سجون هذا النظام.

 

العار الوطني: حين يصبح العرض رهينة

 

اعتقال 300 امرأة بسبب الرأي والانتماء السياسي ينبغي أن يهز وجدان كل مصري. في الماضي، كانت كرامة النساء خطًا أحمر، أما اليوم فقد تحول هذا الخط إلى شريط "ممنوع الاقتراب" تقرره أجهزة الأمن. مسئولية المجتمع، والمنصة الإعلامية، وكل صوت حر، أن يجعل قضية السجينات أولوية لا يمكن تجاهلها مهما صمت المتواطئون محليًا ودوليًا.

 

الخلاصة: نظام بلا نخوة ولا أخلاق

 

مشهد السجينات السياسيات في مصر اليوم اختبار أخلاقي لمجتمع بأكمله. نظام حكم فقد النخوة الإنسانية فأصبح انتقامه بلا حدود ولا خطوط حمراء؛ انتقام عائلي ممنهج، وصمت حقوقي دولي يجعله أكثر استخفافًا بأعراض المصريين. كل يوم تبقى فيه امرأة خلف القضبان هو وصمة عار جديدة على جبين كل من شارك أو صمت أو تواطأ مع هذا المستنقع القمعي.