لليوم السادس على التوالي، يواصل الدولار ارتفاعه الجنوني أمام الجنيه المصري، مقترباً مجدداً من عتبة 48 جنيهاً، في مشهد يكشف هشاشة الاقتصاد المصري وفشل حكومة الانقلاب في إدارة أزمة العملة المتفاقمة. ارتفع الدولار بنحو 69 قرشاً منذ الثلاثاء 18 نوفمبر، ليسجل في بنك مصر 47.78 جنيه للشراء و47.88 جنيه للبيع، وفي البنك التجاري الدولي 47.80 جنيه للشراء و47.90 جنيه للبيع، بل وصل في بعض البنوك إلى 47.98 جنيه.
هذا الارتفاع المتواصل ليس مجرد "تذبذب طبيعي" كما تحاول الحكومة تصويره، بل هو انعكاس حقيقي لسياسات اقتصادية فاشلة أغرقت البلاد في ديون بلغت مستويات قياسية، واستنزفت احتياطي النقد الأجنبي في مشاريع هامشية وصفقات سلاح، وحولت مصر إلى مستورد صافٍ يعتمد على الدعم الخارجي لتسديد فواتير الغاز والقمح.
الحكومة تكذب والأرقام تفضح
تزعم حكومة الانقلاب أن ارتفاع الدولار جاء "مدفوعاً بزيادة الطلب الحكومي على العملة الصعبة لتسوية مدفوعات عاجلة لجهات دولية تشمل شركات توريد الغاز والنفط والقمح". لكن هذا التبرير الواهي يكشف حجم الكارثة: دولة تحولت من مُصدّر للغاز إلى مستورد ينزف 7.2 مليار دولار في عشرة أشهر، دولة تستورد القمح بمليارات الدولارات بينما تهمل القطاع الزراعي، دولة "مدفوعاتها العاجلة" تضغط على سعر صرف العملة وتدفع المواطن البسيط ثمن فشلها.
والأكذوبة الأكبر هي الحديث عن احتياطي نقد أجنبي تجاوز 50 مليار دولار "للمرة الأولى". فهذا الاحتياطي المضخم يشمل ودائع خليجية قصيرة الأجل وقروض صندوق النقد، وليس نتيجة زيادة حقيقية في الإنتاج أو الصادرات أو السياحة. والدليل أن الدولار يرتفع بشكل متواصل رغم هذا "الاحتياطي القياسي"، مما يؤكد أن الأرقام الحكومية مجرد تجميل لواقع مأساوي.
مؤسسة فيتش تتوقع مزيداً من الانهيار
توقعت مؤسسة فيتش سوليوشنز أن يتراجع الجنيه بشكل أكبر بنهاية 2025 ليصل إلى 48.76 جنيه للدولار، مع زيادة الضغوط الناتجة عن تدفقات رؤوس الأموال الخارجة واستحقاق الديون قصيرة الأجل في ديسمبر. هذا التوقع الكارثي يعني مزيداً من ارتفاع الأسعار ومزيداً من الضغط على المواطن البسيط الذي يعاني أصلاً من تضخم جنوني وصل إلى مستويات قياسية.
الحكومة تعلم جيداً أن استحقاقات ديون بمليارات الدولارات تنتظرها في ديسمبر، وأن تدفقات رؤوس الأموال الساخنة التي استثمرت في أذون الخزانة قد تغادر في أي لحظة بحثاً عن عوائد أفضل. لكن بدلاً من معالجة الأسباب الجذرية للأزمة، تكتفي الحكومة بتطمينات واهية وأرقام مضللة عن "استقرار" و"نمو" لا يشعر به أحد إلا المقربين من السلطة.
البنك المركزي يُثبت الفائدة والتضخم يلتهم الأسعار
قرر البنك المركزي في اجتماعه السابع لهذا العام الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، ليظل سعر الفائدة على الودائع عند 21%، وسعر الإقراض عند 22%. هذا القرار جاء رغم تسارع معدلات التضخم خصوصاً على مستوى القراءة الشهرية بفعل ارتفاع أسعار السلع الغذائية والخدمات.
فائدة 21% تعني أن القطاع الخاص لا يستطيع الاقتراض للاستثمار والإنتاج، وأن الحكومة تستنزف السيولة من البنوك لتمويل عجزها المتفاقم، وأن المواطن البسيط يعجز عن شراء منزل أو سيارة أو حتى تمويل مشروع صغير. والنتيجة: اقتصاد راكد لا ينمو، وتضخم متسارع يلتهم دخل المواطن، وديون متراكمة تثقل كاهل الأجيال القادمة.
رئيس الوزراء "متفائل جداً" والشعب يغرق
في مفارقة صادمة، يعلن مصطفى مدبولي رئيس الوزراء أنه "متفائل جداً" بزيارة بعثة صندوق النقد المقررة بين 1 و12 ديسمبر، وأن "نتائج البرنامج ستكون إيجابية للغاية". هذا التفاؤل الأعمى من مسؤول يفترض أنه يتابع معاناة شعبه، يكشف حجم الانفصال بين الحكومة والواقع، وأن "النتائج الإيجابية" المقصودة هي الحصول على شريحة جديدة من القروض لتسديد ديون قديمة، وليس تحسيناً حقيقياً في حياة المواطنين.
البرنامج الذي يتحدث عنه مدبولي هو نفسه الذي فرض إجراءات تقشفية قاسية على الشعب، ورفع الدعم عن الطاقة والخبز، وخفّض قيمة الجنيه عدة مرات، وأغرق البلاد في موجات تضخم متتالية. و"التفاؤل" الحكومي يعني ببساطة: مزيداً من القروض، مزيداً من التقشف، مزيداً من الضغط على الفقراء، ومزيداً من الثراء للمقربين من السلطة.
الخلاصة: شعب يدفع ثمن فشل حكومة فاسدة
ستة أيام من الارتفاع المتواصل للدولار، ليقترب من 48 جنيهاً، في مشهد يتكرر كل فترة ليؤكد أن حكومة الانقلاب عاجزة تماماً عن إدارة الملف الاقتصادي. الحديث عن "طلب حكومي عاجل" و"ظروف عالمية" و"احتياطي قياسي" لا يخفي الحقيقة المرة: سياسات فاشلة حولت مصر من مُصدّر إلى مستورد، من اقتصاد منتج إلى اقتصاد ريعي يعتمد على القروض والمعونات، من دولة مستقلة إلى دولة رهينة لإملاءات صندوق النقد والدائنين. والمواطن البسيط يدفع الثمن: أسعار ترتفع، أجور تنخفض قيمتها، خدمات تنهار، ومستقبل مجهول في ظل حكومة "متفائلة جداً" بينما الشعب يغرق في بحر من الديون والفقر والإحباط.

