تزايد حضور الجيل المصري الجديد على منصّات النقاش الرقمي يفتح بابًا واسعًا لإعادة قراءة المشهد السياسي والاجتماعي في البلاد، بعد سنوات اعتقد فيها كثيرون أن السيطرة الإعلامية الرسمية قد نجحت في تشكيل وعي الأجيال الناشئة، أو على الأقل في تحييدهم عن قضايا الشأن العام. لكن ما تكشفه النقاشات الدائرة حاليًا على تطبيقات مثل «ديسكورد» ومساحات «إكس» يقدّم صورة مخالفة تمامًا لما كان يُظَنّ.
وفي هذا السياق، عبّر الصحفي نظام المهداوي، رئيس تحرير صحيفة وموقع وطن ومراسل سابق لعدد من الفضائيات في الولايات المتحدة، عن دهشته مما لمسه خلال تواصله المباشر مع شباب من جيل Z المصري.
يقول المهداوي عبر حسابه على منصة إكس إنه «صُدم مرات لا تُحصى» أثناء متابعته لنقاشات هؤلاء الشباب عبر غرف صوتية ومنتديات خاصة، ليفاجأ - بحسب وصفه - بوعي سياسي ومعرفي متقدّر لم يكن متوقّعًا في ظل ما يعتبره «آلة تجهيل» يحرّكها الإعلام الرسمي ودوائر النفوذ.
وعي مختلف.. ونقاشات تتجاوز الخطوط الحمراء
يصف المهداوي ما سمعه من هؤلاء الشباب بأنه نقاشات «صافية وواضحة» تدرك بدقة حجم الأزمة التي تمرّ بها البلاد، بدءًا من الوضع الاقتصادي حتى التحولات الإقليمية التي تؤثر على الأمن القومي المصري.
ويبدو أن هذا الجيل - وفق شهادته - بات أكثر إدراكًا لخطورة المرحلة التي تقف فيها مصر على «حافة هاوية»، إذا لم تُتخذ خطوات إصلاح حقيقية وعاجلة.
ويتحدّث هؤلاء الشباب، كما ينقل المهداوي، بجرأة لافتة حول قضايا حساسة لسنوات طويلة مثل:
- تفريط الدولة في مساحات واسعة من الأراضي وبيع الأصول الحيوية.
- تضخم الديون الخارجية وتأثيرها على الاقتصاد والمعيشة.
- قضايا المعتقلين والسجون وحقوق الإنسان.
- الملف المصري تجاه غزة والتفاعلات الإقليمية.
- مصير مياه النيل والتفاوض بشأن السد الإثيوبي.
هذه الموضوعات، التي كانت تُناقش غالبًا في إطار محدود أو بخلفية خوف، تحوّلت إلى قضايا نقاش مفتوح داخل مجتمع رقمي متنامٍ، ما يعكس مستوى جديدًا من الوعي السياسي والاجتماعي.
رفض الفساد.. لا الدولة
ويشير المهداوي إلى نقطة محورية وجدها واضحة في حديث كل من التقاهم من الشباب: أن اعتراضاتهم ليست موجهة نحو الدولة أو مؤسساتها، بل نحو ما يعتبرونه «فسادًا متجذرًا» داخل دوائر النفوذ والجيوب العميقة المتحكمة في القرار.
ويؤكد أن حديثهم لا يستهدف الجيش بوصفه مؤسسة وطنية، بل ينتقد ممارسات منسوبة إلى «فئات محددة» يرون أنها تسيء إلى دوره التاريخي.
جيل يتكاثر ويزداد ثقة
وبحسب قراءة المهداوي، فإن هذا الجيل ليس هامشيًا كما كان يُعتقد. فالمساحات الرقمية التي تجمعهم تُظهر انضمام عدد متزايد من الشباب «الحيوي، الصادق، الغاضب»، الباحث عن مستقبل أفضل، والواعٍ بأن «استعادة مصر مهمة تاريخية»، على حد وصفه.
ويذهب المهداوي إلى أن بوادر تحركات شعبية بقيادة هذا الجيل بدأت تلوح بالفعل، مرجّحًا أن أي حراك مستقبلي قد يكون ذا تأثير كبير في موازين القوى داخل المجتمع، وذلك نظرًا لسرعة انتشار الأفكار عبر المنصات الرقمية والإيقاع السريع الذي يتميّز به هذا الجيل.
https://x.com/NezamMahdawi/status/1993229812677460471
منصّات التواصل.. ساحة عامة جديدة
يأتي هذا التحول في لحظة يُعيد فيها المصريون - لا سيما الشباب - اكتشاف دور الفضاء الإلكتروني كبديل للساحات التقليدية التي ضاقت خلال السنوات الماضية. فقد تحولت تطبيقات مثل «ديسكورد» و«إكس» و«تيك توك» إلى منصّات سياسية غير رسمية، تُفتح فيها نقاشات تمتد لساعات حول مختلف الملفات الوطنية.
ويجمع الخبراء على أن هذه الظاهرة، التي تتسارع يومًا بعد يوم، ستفرض على الدولة معادلات جديدة، خاصة بعد أن أصبح من المستحيل تجاهل وجود جيل كامل يتشارك لغة مختلفة وأدوات تحليل حديثة، ويتواصل بمعايير تتجاوز الإعلام التقليدي وروايته.
مستقبل مفتوح على احتمالات
الرسالة التي تنقلها هذه الشهادة ليست مجرد انطباع فردي، بل مؤشر على تصدّع سردية كانت تقول إن الأجيال الجديدة «غير مهتمة بالسياسة» أو «مغيّبة عن الواقع». وعلى الرغم من أن المشهد لا يزال مفتوحًا على كل الاحتمالات، فإن المؤكد هو أن الحضور السياسي الرقمي للشباب المصري أصبح حقيقة تراكمية يصعب تجاهلها.
وفي الوقت الذي تشهد فيه البلاد ضغوطًا اقتصادية واجتماعية متفاقمة، يصبح هذا الوعي الجديد عاملًا إضافيًا قد يسهم في إعادة رسم المشهد الداخلي، سواء من خلال الضغط الشعبي أو من خلال إنتاج خطاب سياسي بديل يُعبّر عن تطلعات جيل يبحث عن دولة أكثر عدلًا وشفافية وقدرة على مواجهة الأزمات.

