بموافقة قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، أصبح قانون الإجراءات الجنائية الجديد ساري المفعول، بدءًا من 1 أكتوبر 2026، على الرغم من الاعتراضات الواسعة على ما تضمنه من بنود أبرزها السماح للنيابة العامة بالتحقيق مع المتهمين في عدم وجود محامٍ.
يأتي ذلك بعد موافقة مجلس النواب في آخر جلساته العامة المنعقدة في 16 أكتوبر الماضي على تعديل المواد التي رفض السيسي التصديق عليها، وأعادها إلى المجلس لبحث إجراء التعديل اللازم عليها.
وتمحورت اعتراضات السيسي حول عدد من مواد القانون وتتعلق بـ "اعتبارات الحوكمة والوضوح والواقعية، بما يوجب إعادة دراستها لتحقيق مزيد من الضمانات المقررة لحرمة المسكن ولحقوق المتهم أمام جهات التحقيق والمحاكمة، وزيادة بدائل الحبس الاحتياطي للحد من اللجوء إليه، وإزالة أي غموض في الصياغة يؤدي إلى تعدد التفسيرات أو وقوع مشاكل عند التطبيق على أرض الواقع".
في المقابل، اعترض العديد من النواب ومعهم نقيب المحامين، عبدالحليم علام، على تعديل المادة (105)، كونه يصطدم بشكل مباشر مع المادة (54) من الدستور.
لكن لم يأخذ المجلس بهذا الاعتراض، ليتم الموافقة على التعديلات بتأييد أغلبية النواب الموالين لسلطة الانقلاب، دون الاستجابة لنواب المعارضة ومخاوفهم من انتهاك حقوق المتهم في ترافع محام عنه أمام النيابة، مطالبين بإحالة القانون برمته إلى البرلمان المقبل.
التحقيق مع المتهم دون حضور محام
وتسمح المادة 105 من قانون الإجراءات الجنائية الجديد بـ"التحقيق مع المتهم دون حضور محام"، الأمر الذي يُعد انتهاكًا واضحًا لضمانات الدفاع المنصوص عليها في الدستور.
وأصبح نص المادة على النحو التالي: لا يجوز لعضو النيابة العامة أن يستجوب المتهم أو يواجهه بغيره من المتهمين أو الشهود إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن للمتهم محام، أو لم يحضر محاميه، بعد دعوته، وجب على المحقق من تلقاء نفسه أن يندب له محاميًا وعلى المتهم أن يقرر اسم محاميه فى محضر التحقيق فى دائرتها أو للقائم على إدارة المكان المحبوس فيه، كما يجوز لمحاميه أن يتولى هذا التقرير.
وللمحامي أن يثبت في المحضر ما يعن له من دفوع أو طلبات أو ملاحظات، ويصدر المحقق بعد التصرف النهائي في التحقيق بناء على طلب المحامى المنتدب أمرًا بتقدير بناء على طلب المحامى المنتدب أمرًا بتقدير أتعابه، وذلك استرشادًا بجدول تقدير الأتعاب الذى يصدر به قرار من وزير العدل بعد أخذ رأى مجلس النقابة العامة للمحامين، وتأخذ هذه الأتعاب حكم الرسوم القضائية.
"ويجوز لعضو النيابة العامة في الأحوال التي يخشى فيها فوات الوقت متى كان لازمًا في كشف الحقيقة الانتقال لاستجواب المتهم الذي يخشى على حياته، وذلك بعدما يطلب من نقابة المحامين الفرعية ندب أحد المحامين لحضور التحقيق على وجه السرعة بالطريقة التي يتفق عليها بين النيابة العامة والنقابة العامة للمحامين، فإذا لم يحضر المحامي في الموعد المحدد يتم استجواب المتهم، ويحق للمحامي الموكل أو المنتدب حضور جلسة التحقيق إذا حضر قبل انتهائها والاطلاع على ما تم من إجراءات التحقيق في غيبته".
وكان اعتراض السيسي على المادة المشار إليها بسبب تعارضها مع المادة 64 التي منحت مأمور الضبط القضائي المنتدب من النيابة الحق في استجواب المتهم خوفًا من فوات الوقت في حالة عدم حضور المحامي، وهو ما لم تمنحه المادة 105 لوكيل النيابة، ما يعد تعارضًا يستوجب التعديل ومنح وكيل النيابة هذا الحق.
المادة 54 من الدستور
في حين أن المادة (54) من الدستور - التي تتعارض مع المادة 105 بعد تعديلها- تنص على أن "الحرية الشخصية حق طبيعي، وهى مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبَّب يستلزمه التحقيق، ويجب أن يُبلَّغ فوراً كل من تُقيَّد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابةً، ويُمكَّن من الاتصال بذويه ومحاميه فوراً، وأن يقدَّم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته»، كما تنص في فقرة أخرى على أنه "لا يبدأ التحقيق مع أحد إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن له محامٍ نُدب له محام".
7 بدائل للحبس الاحتياطي
فيما تنظم المادة 114 بعد زيادة بدائل الحبس الاحتياطي من 3 إلى 7 بدائل، على أنه: "يجوز لعضو النيابة العامة في الأحوال المنصوص عليها بالمادة 113 من هذا القانون، وكذلك في الجنح الأخرى المعاقب عليها بالحبس أن يصدر بدلاً من الحبس الاحتياطي أمرًا مسببًا بأحد التدابير الآتية:
- إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه
- أو إلزامه بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة في أوقات محددة
- أو حظر ارتياده أماكن محددة، أو إلزامه بعدم مغادرة نطاق جغرافي محدد إلا بعد الحصول على إذن النيابة
- أو إلزامه بالامتناع عن استقبال أو مقابلة أشخاص معينين أو الاتصال بهم بأي شكل من الأشكال
- أو منعه مؤقتًا من حيازة أو إحراز الأسلحة النارية والذخيرة، وتسليمها لقسم أو مركز الشرطة الذي يقع في دائرته محل إقامته
وأخيرًا استخدام الوسائل التقنية في تتبع المتهم حال توافر ظروف العمل بها، ويصدر بها قرار من وزير العدل بالتنسيق مع وزيري الداخلية والاتصالات".
إضعاف الضمانات المقررة للحقوق والحريات
وقالت حملة "نحو قانون عادل للإجراءات الجنائية"، التي تتألف من تحالف واسع من الأحزاب والمنظمات الحقوقية والنقابات المصرية، إن التعديلات التي أدخلها مجلس النواب على القانون استجابة لطلب السيسي مثلت "ردة وتراجعًا عن المبادئ الحاكمة لمواد القانون، حيث إنها لم تضاعف الضمانات المقررة للحقوق والحريات، بل أضعفتها وانتقصت منها".
وأشارت إلى أن تعديل المادة 112 من القانون "أوجد بديلاً التفافيًا للحبس الاحتياطي من طريق إيداع المتهم أحد مراكز الإصلاح والتأهيل، أو أماكن الاحتجاز، إذا تعذر استجوابه لعدم حضور محام، على أن يسري على هذا الإيداع قواعد الحبس الاحتياطي، وهو ما يمثل مخالفة جسيمة لنص المادة الـ54 من الدستور المصري".
واعتبرت الحملة أن إنشاء بديل جديد للحبس الاحتياطي (الأمر بالإيداع) ما هو إلا "اعتقال" للمتهم من دون استجوابه، ويشكل التفافًا على المدد القصوى للحبس الاحتياطي، إذ إن الفترة التي يقضيها المتهم في الإيداع لا تُحتسب ضمن مدة الحبس الاحتياطي، إذا ما أمرت سلطة التحقيق بالحبس بعد الاستجواب، بما يطيل من فترة سلب الحرية، ويهدر حقوق المتهمين.
واعترضت الحملة على تعديل المادة الـ105 الذي يهدف إلى "الإخلال بحق المتهم في وجود محام"، وذلك بقصر جوازية الاستجواب في غيبة محام على حالة الخشية على حياة المتهم، من دون النص على وجوب التزام مأمور الضبط القضائي المنتدب بدعوة محامي المتهم، أو ندبه، في الأحوال التي يخشى فيها فوات الوقت قبل الشروع في الاستجواب، الأمر الذي يفرغ ضمانة وجود المحامي من مضمونها، ويفتح بابًا لتجاوز الحق الدستوري في الدفاع.

