وائل قنديل

كاتب صحافي مصري

 

لا تتوقّف عمليات استهداف العام 2011 بوصفه الشرّ المُطلق منذ أكثر من عشر سنوات. وبالتحديد، منذ تمكّن كارهو هذا العام من قتل كلّ مخرجاته، والذهاب في مسارات عكسية تتناقض كليًا مع ما حلمت به الشعوب العربية من حرية وديمقراطية وحقوق إنسان وعدل اجتماعي.

 

ليس جديدًا، إذن، هذا الهوس بالهجوم على هذا العام الرجيم واستغلاله في السيطرة والردع، في كلّ مرّة تحلّ ذكرى الربيع العربي، لكن الجديد هذه المرّة أن يوضع 2011 هدفًا للتصويب عند الحديث عن العدوان على غزّة والكلام عن ذكريات أكتوبر (1973)، ما يجعلنا أمام حالة عجيبة يمكن عنونتها بعبارة "المرضى بعام 2011"، الذين يجدون أنفسهم يقذفونه بألسنتهم وأسلحتهم بشكلٍ لا إرادي، ومن دون أن يكون هنالك ما يستدعي الإغارة عليه، على نحو ما يفعل كلّ من أحمد أبو الغيط وعبد الفتاح السيسي طوال الوقت.

 

هذه المرّة صار تعريف ما جرى في عام 2011 أنه كان حربًا على مصر، توضع في سياق الثرثرة عن حرب أكتوبر، إذ يقول عنه السيسي في الاحتفال بذكرى الحرب إنّ ما مرّت به مصر خلال عام 2011 كان شكلًا من أشكال الحرب، وإنّ كلّ المؤشّرات في ذلك الوقت كانت تنذر بانزلاق البلاد إلى حربٍ أهلية، لكن الله كتب النجاة لمصر من هذه الحرب، وأنقذها من مصير واجهته دول أخرى في المنطقة ولم تنجُ منه. وبالطبع، لم ينس أن يشير إلى الأعداء الأشرار الذين هم كلّ من ينطق بكلمة ضدّ سياسات هذا النظام.

 

أما الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، فيقول إنّ أصعب يومين في حياته؛ الأوّل يوم 5 يونيو 1967 (النكسة)، والثاني ما حدث في مصر يوم 25 يناير 2011، والذي وصفه بـ"المأساة، ثم يقرّر أن "تل أبيب هي المُستفيدة مما حدث في المجتمعات العربية من 2011 بدعوى الثورة".

 

على الرغم من أنّ الأوّل يضع 2011 في سياق انتصار حرب 1973 فيما يذكره الثاني مرادفًا لهزيمة 1967، إلا أنهما يتفقان على أنه العدو الاستراتيجي للبلاد والعباد، فهو المسؤول عن بناء سد النهضة الإثيوبي كما يثرثر أحمد أبو الغيط، وهو عام الأشرار برأي السيسي. وتُنبئ سيرورة العداء لهذا العام بأن الاستهداف المُستمر لسنة 2011 باعتبارها المتهم الأول والوحيد في كلّ ما يجري في مصر والدول العربية أداة من أدوات التخويف من الاحتجاج والثورة، ثم تحوّل إلى عقيدة مستقرة ومبدأ ثابت لدى كلّ المستبدّين، ثم صار مرضًا مزمنًا لدى هؤلاء، تظهر أعراضه فجأة من دون سببٍ منطقيٍّ وبلا مناسبة.

 

على مستوى الداخل، لا يزال 2011 يقبع في قفص الاتهام، مسؤولًا عن كل فشل، فهو الذي بنى سد النهضة وأضاع حقوق مصر في النيل، وهو الذي صنع الخراب الاقتصادي، وأدّى إلى انهيار العملة المحلية وارتفاع حجم الدين العام لألف سنة مقبلة، كما أنّه يقف وراء التضخم والكساد والغلاء والجوع والفقر والمرض، والكوارث الطبيعية والصناعية

وحوادث القطارات وانهيار الكباري (الجسور) الجديدة والإرهاب في سيناء وتلوّث الغذاء وشح الدواء. كما أنه خارجيًّا المسؤول عن توحّش الكيان الصهيوني وتوغله في البلاد العربية. باختصار، هو المسؤول عن مأساة غزّة، على الرغم من أنّ كلّ حقائق التاريخ تؤكّد أنه كان العام الذي أصاب الصهاينة بالغمّ والقلق، وأنهم لم يفكّروا في أن يكونوا قادة الشرق الأوسط إلا بعدما اطمأنوا إلى أنه جرى القضاء عليه ومحوه من سجل الذاكرة العربية، ولم يبخلوا على الذين أضرموا النار في ثمار 2011 بالدعم المباشر وغير المباشر، كما أنهم لم يتردّدوا في الاحتفال بهزيمة الربيع العربي، بالقدر نفسه الذي احتفلوا به، حين وقعت الهزيمة في 1967.

 

لا يهمّ هنا أن تذكّرهم بأن وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتس، نشر صوره وهو يزور القلعة ومسجد محمد علي بوسط القاهرة في يناير2 019 مع تعليق يقول: "يسعدني أن أمثل إسرائيل وحكومتها هنا في القاهرة، هذه زيارة رسمية أولى، وأول دعوة من حكومة مصر لوزير إسرائيلي منذ قيام الثورة في 2011".

 

لم يغب عن المصابين بمرض 2011 أيضًا استثمار القضاء عليه في الملفات الدولية والإقليمية، من خلال تصديره إلى الدوحة وأنقرة باعتباره السبب في الخصام بين مصر وشقيقاتها وجاراتها، المخدوعات فيه وفي المنتمين إليه من الأشرار الذين أفسدوا حقول العنب، ليصبح حراك الجماهير العربية في ذلك العام متّهمًا بتدمير الجسور وقطع اللحمة بين الأنظمة العربية والإقليمية.

 

هذا أوّل مرض في التاريخ يحرص المصابون به على عدم الشفاء منه.