بعد مرور أكثر من تسعين يومًا على اختفائهما القسري، تتزايد المخاوف بشأن مصير الشابين، محسن محمد مصطفى (27 عامًا) وأحمد شريف أحمد عبد الوهاب (23 عامًا)، اللذين سلّما نفسيهما طوعًا لقوات الأمن عقب بث مباشر من داخل مقر جهاز الأمن الوطني بالمعصرة – جنوب القاهرة، في واقعة غير مسبوقة أعادت تسليط الضوء على ظاهرة الإخفاء القسري والانتهاكات داخل مقرات الأمن الوطني.
اقتحام مقر الأمن الوطني وبث مباشر من داخل الزنازين
في مساء الجمعة 25 يوليو الماضي، فاجأ الشابان الرأي العام ببث مباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ظهرا فيه داخل أحد الزنازين بمقر الأمن الوطني بالمعصرة، مؤكدين أنه يُستخدم لاحتجاز المختفين قسريًا خارج إطار القانون.
وأوضحا خلال البث أن هدفهما لم يكن احتجاز الضباط أو الاعتداء على المقر، بل لفت انتباه الرأي العام إلى معاناة الفلسطينيين في غزة والمطالبة بفتح معبر رفح البري، مؤكدين عزمهما تسليم نفسيهما فور انتهاء البث.
الشابان أكدا أن ما قاما به هو صرخة احتجاج رمزية ضد استمرار إغلاق معبر رفح – الشريان الإنساني الوحيد لغزة – في ظل المجازر اليومية التي يتعرض لها الفلسطينيون جراء العدوان الإسرائيلي، مشيرين إلى أن المقر الذي دخلاه يُعد من أكثر أماكن الاحتجاز سوءًا، وارتُكبت فيه وفق شهادات حقوقية انتهاكات جسيمة تشمل التعذيب والاغتصاب.
نفي رسمي وعمليات اقتحام واعتداء
بعد ساعات من البث، أصدرت وزارة الداخلية بيانًا رسميًا أنكرت فيه وقوع الحادثة من الأساس، ووصفتها بأنها “أكاذيب لا أساس لها”.
إلا أن الشبكة المصرية لحقوق الإنسان أكدت من خلال تحليل الصور ومطابقة الفيديوهات أن المكان الظاهر في البث هو بالفعل مقر الأمن الوطني بالمعصرة، مستندة إلى شهادات معتقلين سابقين ووثائق داخلية.
وفي مساء اليوم نفسه، اقتحمت قوات من جهاز الأمن الوطني منزلي الشابين في منطقة 15 مايو جنوب القاهرة، حيث تم ترويع أفراد الأسرتين والاعتداء على المحتويات وتكسير الأثاث، قبل مغادرة القوات دون تقديم أي توضيح رسمي.
ثلاثة أشهر من الإخفاء.. وقلق يتصاعد
منذ ذلك التاريخ، لم يظهر أي أثر للشابين، ولم يُعرضا على أي جهة تحقيق أو يُسمح لأسرتهما أو محاميهما بالتواصل معهما، في ما وصفته منظمات حقوقية بأنه إخفاء قسري مكتمل الأركان.
وبحسب الشبكة المصرية لحقوق الإنسان ومركز الشهاب لحقوق الإنسان، فإن استمرار احتجازهما بمعزل عن العالم الخارجي يُعد انتهاكًا صارخًا للدستور المصري وللقانون الدولي، الذي يُجرّم الإخفاء القسري ويصنّفه كجريمة ضد الإنسانية عندما يستمر لفترات طويلة دون كشف المصير.
شهادات وتوثيقات عن انتهاكات داخل الأمن الوطني
في سياق متصل، وثّقت الشبكة المصرية في الأشهر الأخيرة انتهاكات جسيمة داخل مقرات الأمن الوطني، شملت حالات تعذيب مفضٍ إلى الموت، كان آخرها وفاة المواطن فريد شلبي في كفر الشيخ، والمهندس محرم فؤاد بالقاهرة، ما يعزز المخاوف على سلامة الشابين المختفيين.
وأشارت الشبكة إلى أن مقر المعصرة تحديدًا يُعد من أبرز المواقع التي شهدت حالات إخفاء قسري وتعذيب ممنهج خلال السنوات الأخيرة.
مطالبات حقوقية متصاعدة
دعت الشبكة المصرية ومركز الشهاب إلى الإفصاح الفوري عن مكان احتجاز الشابين وتمكينهما من التواصل مع أسرتيهما ومحاميهما، إضافة إلى إحالتهما إلى جهة تحقيق مستقلة تضمن لهما حقوق الدفاع والمحاكمة العادلة.
كما طالبت المنظمتان بوقف كافة ممارسات الإخفاء القسري والتعذيب في مصر، وفتح تحقيقات شفافة لمحاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم المتكررة.
خطورة الوضع وتداعيات الصمت الرسمي
يحذّر حقوقيون من أن استمرار اختفاء الشابين لأكثر من ثلاثة أشهر قد يرقى إلى القتل خارج نطاق القانون في حال ثبوت تعرّضهما للتعذيب أو الوفاة داخل أماكن الاحتجاز السرية، داعين النيابة العامة إلى تحمل مسؤوليتها القانونية في الرقابة على مقار الاحتجاز والتحقيق في البلاغات المقدمة بشأن الواقعة.
ويرى مراقبون أن الصمت الرسمي إزاء الحادثة، رغم انتشار الفيديوهات الموثقة وتأكيد المنظمات الحقوقية، يعكس سياسة إنكار ممنهجة تجاه قضايا الإخفاء القسري التي تصاعدت في السنوات الأخيرة، وسط تزايد عدد الضحايا والمفقودين دون محاسبة.
نداء إنساني قبل فوات الأوان
تختم الشبكة المصرية تقريرها بنداء عاجل إلى المنظمات الحقوقية الدولية والأمم المتحدة للتدخل الفوري للضغط على السلطات من أجل الكشف عن مصير الشابين محسن محمد وأحمد شريف، مؤكدة أن كل يوم يمرّ يزيد من خطر تعرضهما للتصفية أو التعذيب، في ظل استمرار غياب الشفافية والمساءلة.
https://www.facebook.com/ENHR2021/posts/843677348013326?ref=embed_post
https://www.facebook.com/elshehab.ngo/posts/1223451263162652?ref=embed_post

