في الوقت الذي يعيش فيه الفن المصري أزمته الكبرى بين الحرية والإملاء، يظهر فيلم "يانصيب" كمثال جديد على تغوّل رأس المال المرتبط بالعسكر داخل المشهد الفني.
فالفيلم الذي تنتجه مجموعة رجال أعمال يتقدمهم عصام العرجاني، لا يمكن النظر إليه كعمل درامي بريء، بل كأداة ضمن منظومة تهدف إلى إعادة إنتاج الرواية الرسمية وتلميع صورة النظام عبر أدوات الفن والدراما.
هيمنة العرجاني على الإنتاج الفني
عصام العرجاني، المعروف بقربه من دوائر النفوذ العسكري والاقتصادي في مصر، لم يعد مجرد رجل أعمال أو مستثمر في السياحة والعقارات، بل تحوّل إلى واجهة ثقافية جديدة للعسكر داخل الوسط الفني.
فمشروعاته الإنتاجية، التي بدأت تتوسع تحت غطاء “دعم الفن الوطني”، تمثل في جوهرها عملية اختراق ممنهجة للمجال الإبداعي، من خلال التمويل المشروط والسيطرة على المحتوى والرسائل الفنية.
هذه السيطرة لا تقتصر على التمويل فقط، بل تمتد إلى اختيار النصوص والممثلين والمخرجين بما يخدم الرواية التي يريدها النظام: رواية تلمّع مؤسساته، وتُقصي الأصوات المستقلة، وتحوّل الفن إلى أداة دعائية مغلّفة بالرومانسية والدراما الاجتماعية.
"يانصيب": الدراما كواجهة ناعمة للتوجيه السياسي
رغم أن فيلم "يانصيب" يُقدَّم في الإعلام بوصفه عملاً “دراميًا رومانسيًا”، إلا أن خلفية الإنتاج والتمويل تكشف عن غاية أبعد من مجرد الترفيه.
فالفيلم يأتي في سياق سلسلة من الأعمال التي تسعى إلى خلق صورة لمصر “الآمنة والمستقرة” التي يرعاها النظام، في مقابل تغييب أي نقد أو تصوير واقعي لمعاناة الناس أو فساد السلطة.
اختيار مواقع التصوير في الغردقة مثلاً ليس صدفة، بل جزء من استراتيجية تسويقية للنظام تقوم على تسليط الضوء على “الوجه السياحي الجميل” وتجاهل الوجه الحقيقي للأزمات المعيشية.
حتى اختيارات الأبطال –من نجوم ذوي جماهيرية محسوبة– تعكس رغبة في تمرير خطاب السلطة عبر وجوه ناعمة ومحبوبة.
الفن كدرع للعسكر ورجالهم
عبر إنتاج مثل هذا الفيلم، يسعى ابن العرجاني إلى تثبيت دوره كوسيط بين السلطة العسكرية والوسط الفني. فهو لا يقدّم فناً، بل يقدّم “رؤية النظام للفن”.
وهكذا يصبح المنتج جزءًا من آلة سياسية تعمل على تعقيم الثقافة من أي نقد، وتحويلها إلى مساحة “مأمونة” لا تتجاوز الخطوط الحمراء.
في ظل غياب الإنتاج المستقل وتضييق الخناق على الفنانين المعارضين، تصبح الساحة خالية لرجال المال المتحالفين مع السلطة ليعيدوا رسم خريطة الفن بما يتناسب مع مصالحهم، مستخدمين الدراما كواجهة لتبييض الثروات والوجوه.
وفي النهاية ففيلم "يانصيب" ليس إلا حلقة في مسلسل طويل من محاولات احتكار الفن وترويضه لصالح العسكر وشركائهم من رجال الأعمال.
ابن العرجاني لا يمثل “داعماً للفن” كما يُروّج له، بل ممثلاً لمنظومة تفرغ الإبداع من محتواه وتحوله إلى ديكور سياسي يخدم السلطة.
إن الخطر الحقيقي اليوم لا يكمن في فيلم بعينه، بل في مشروع متكامل يهدف إلى مصادرة الوعي، وتحويل السينما إلى أداة من أدوات الحكم العسكري، بينما يتم تغييب الفن الحر الذي يعبر عن الناس لا عن السلطة.