وجهت المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة مذكرة رسمية إلى حكومة عبدالفتاح السيسي، دعتها فيها إلى اتخاذ خطوات عاجلة وملموسة لإصلاح عدد من الملفات الحقوقية الحساسة، وفي مقدمتها عقوبة الإعدام، وممارسات التعذيب، والإخفاء القسري، ومشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد.
المذكرة التي وقعها المفوض السامي فولكر تورك، والمؤرخة في أكتوبر 2025، جاءت في أعقاب الاستعراض الدوري الشامل الذي خضعت له مصر أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف، والذي تضمن 343 توصية حقوقية قدمتها 137 دولة، تدعو جميعها إلى مراجعة شاملة لسياسات العدالة والأمن وحرية التعبير داخل البلاد.
دعوة لإلغاء الإعدام ومراجعة القوانين
وفيما رحبت المفوضية بتصريحات رسمية سابقة عن نية الحكومة تقليص عدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام، فقد شددت على ضرورة "المضي قدمًا نحو الإلغاء الكامل للعقوبة"، مشيرة إلى أن العدالة لا تتحقق عبر العقوبات القصوى بل عبر ضمان المحاكمات العادلة وسبل الإنصاف الفعالة.
كما حثت المفوضية السلطات على إعادة النظر جذريًا في مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، معتبرة أن التعديلات المقترحة لا تزال بعيدة عن المعايير الدولية للعدالة الجنائية، خصوصًا في ما يتعلق بضمانات المتهمين والحق في الدفاع والحد من الحبس الاحتياطي المطول.
قلق أممي من التعذيب والإخفاء القسري
وأعربت المذكرة عن قلق مستمر إزاء التقارير المتكررة عن ممارسة التعذيب وسوء المعاملة داخل أماكن الاحتجاز، مشيرة إلى أن التعريف القانوني للتعذيب في التشريعات المصرية لا يزال غير متوافق مع اتفاقية مناهضة التعذيب التي انضمت إليها مصر منذ عقود.
كما شددت على ضرورة إنهاء ممارسات الإخفاء القسري والتدوير الأمني للمحتجزين، داعية السلطات إلى تفعيل الرقابة القضائية المستقلة على أماكن الاحتجاز وضمان الشفافية في التحقيقات.
قضايا الحرية والمجتمع المدني
وفي جزء آخر من المذكرة، سلطت المفوضية الضوء على استمرار استخدام قوانين مكافحة الإرهاب ضد النشطاء والمحامين والصحفيين، رغم الإفراج عن عدد من المتهمين خلال العامين الماضيين.
وطالبت السلطات بالإفراج الفوري عن جميع المحتجزين تعسفيًا بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم، وبتوفير بيئة آمنة لعمل منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان دون تضييق أو تهديد.
قضايا المرأة والتنمية الاجتماعية
كما تضمنت المذكرة إشادة بالخطوات التي اتخذتها مصر في تمكين المرأة سياسيًا واقتصاديًا، لكنها في الوقت ذاته شددت على الحاجة إلى إصدار قانون شامل يجرم كافة أشكال العنف ضد النساء، بما في ذلك العنف الأسري والاغتصاب الزوجي، مؤكدة أن ذلك يمثل "اختبارًا حقيقيًا لجدية الدولة في حماية حقوق النساء".
وفي الجانب الاجتماعي، شجعت المفوضية الحكومة على زيادة الإنفاق العام على قطاعات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، تماشيًا مع التوصيات التي تم قبولها خلال الاستعراض الدولي الأخير.
خطة تنفيذ ومتابعة أممية
وطالبت المفوضية بوضع خطة تنفيذ وطنية واضحة لمتابعة تنفيذ توصيات المراجعة الدورية، على أن تُعد بالتعاون مع البرلمان والمجتمع المدني، وتُرفق بجدول زمني محدد لقياس التقدم المحرز. كما دعت القاهرة إلى تقديم تقرير طوعي منتصف المدة بحلول عام 2027، لتوضيح ما تحقق من إصلاحات، وما تواجهه من تحديات.
ترحيب منظمات مصرية
وفي أول رد محلي، رحبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بالمذكرة الأممية، معتبرة أنها تضع الحكومة أمام اختبار حقيقي لتنفيذ التزاماتها الدولية، ودعت إلى نشر خطة وطنية لتنفيذ توصيات الاستعراض الدوري الشامل، تتضمن إجراءات محددة ومؤشرات أداء واضحة.
وقالت المبادرة في بيانها إن "دورات المراجعة الدورية الشاملة لا ينبغي أن تتحول إلى مناسبات شكلية لتقديم صورة تجميلية عن واقع حقوق الإنسان في مصر، بل فرصة حقيقية لإصلاح السياسات والممارسات التي تمس حياة المواطنين اليومية".
وتأتي هذه التطورات في ظل تصاعد الاهتمام الدولي بملف حقوق الإنسان في مصر، خصوصًا مع استمرار الانتقادات الموجهة لملفات الاعتقال السياسي، وتقييد الحريات الإعلامية، والاحتجاز المطول دون محاكمة، وهي قضايا كانت محورًا دائمًا للمناقشات في جلسات مجلس حقوق الإنسان.