أثار الفيديو الذي قدمته المحامية والحقوقية نهاد أبو القمصان بعنوان «قانون الإجراءات الجنائية هيحبس الشعب من غير ما يسمي عليه» تفاعلاً واسعًا، بعد أن تناولت فيه أبرز ملاحظاتها على قانون الإجراءات الجنائية الجديد الذي أقره البرلمان مؤخرًا. فالفيديو اتخذ طابعًا نقديًا تحليليًا، وركّز على الجوانب القانونية التي تمس مباشرة الحقوق الأساسية للمواطنين وضمانات العدالة.
غموض مصطلح "حالة الضرورة"
في مقدمة حديثها، ركزت أبو القمصان على المادة التي تسمح بإجراء التحقيق مع المواطنين في “حالة الضرورة” دون حضور المحامي، معتبرة أن النص يحمل إشكالية قانونية كبيرة بسبب غياب تعريف واضح لمفهوم الضرورة.
وأوضحت أن هذا الغموض قد يُستخدم لتبرير تجاوزات أو اعتقالات دون رقابة كافية، إذ يمكن تفسير “الضرورة” بطرق مختلفة، وهو ما يفتح الباب أمام تطبيقات تعسفية. وأشارت إلى أن حضور المحامي أثناء التحقيق يمثل ضمانة أساسية للعدالة في جميع الأنظمة الديمقراطية، وأن غياب هذا الشرط يمثل إخلالًا بحق الدفاع ومساسًا بالحقوق الدستورية.
انتهاك الضمانات الإنسانية في التحقيق
ينتقل الفيديو إلى عرض مثال واقعي عن مواطن مصاب تم التحقيق معه وحبسه لأربعة أيام دون رعاية طبية حتى وفاته، لتوضح المتحدثة أن هذه الحالة تكشف ضعف آليات الرقابة والمساءلة داخل منظومة العدالة.
وتعتبر أن النصوص القانونية وحدها لا تكفي إذا لم تُترجم إلى ممارسات تحترم كرامة الإنسان وتلتزم بمبادئ المحاكمة العادلة، مؤكدة أن القوانين الجديدة يجب أن تُعزز حماية الأفراد لا أن تُضعفها.
تسريع الإجراءات دون ضمان العدالة
أبو القمصان تطرقت كذلك إلى ما وصفته بـ “الاستعجال غير المبرر” في بعض مراحل التحقيق، خاصة في القضايا التي تخص مرضى أو مصابين، معتبرة أن استغلال بند “حالة الضرورة” للتحقيق أو الاحتجاز دون وجود محامٍ أو مبرر قانوني واضح يشكل تهديدًا لحقوق الإنسان.
وترى أن النصوص الغامضة في هذه النقاط قد تفتح المجال لتصرفات فردية تفتقر إلى الرقابة، مما يُضعف ثقة المواطنين في نظام العدالة ويزيد من الشعور بعدم الأمان القانوني.
تراجع دور المحامين
من أبرز النقاط التي تناولها الفيديو أيضًا تراجع دور المحامين في العملية القضائية، حيث أشارت أبو القمصان إلى أن القانون الجديد لم يُعزز من حضور الدفاع بل جعل ممارسة المهنة أكثر تعقيدًا، بسبب ضعف النصوص التي تكفل تمكين المحامي من أداء دوره الكامل أثناء التحقيقات.
وترى أن البيئة القضائية أصبحت أقل دعمًا للمحامين، مما ينعكس سلبًا على جودة الدفاع ونتائج المحاكمات.
الحبس الاحتياطي والضمانات المفقودة
خصصت أبو القمصان جزءًا من حديثها لمسألة الحبس الاحتياطي، مشيرة إلى أن القانون الجديد لم يعالج الأزمة المستمرة المرتبطة بطول فترات الحبس دون صدور أحكام قضائية.
وأكدت أن استمرار الاعتماد على الحبس الاحتياطي كإجراء أساسي وليس استثنائيًا يُعد إشكالية عدالة جوهرية، إذ يتحول من وسيلة قانونية إلى أداة لتقييد الحريات، ما يتعارض مع مبدأ “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”.
تجاهل الحوار المجتمعي
تطرقت المتحدثة كذلك إلى غياب المشاركة المجتمعية في صياغة القانون، مشيرة إلى أن اعتراضات نقابة المحامين وعدد من الأصوات الحقوقية لم تلق الاهتمام الكافي داخل البرلمان، ما أضعف من عملية الحوار الوطني حول القانون.
وترى أن إشراك الخبراء القانونيين والحقوقيين في مناقشة القوانين هو أساس لإنتاج تشريعات متوازنة تراعي العدالة والمصلحة العامة.
رسالة تحذير ودعوة للمراجعة
في ختام الفيديو، اعتبرت نهاد أبو القمصان أن القانون يمثل تراجعًا عن ضمانات العدالة ويعكس توجهاً مقلقًا نحو تقييد الحريات الفردية عبر التشريع. ودعت إلى إعادة النظر في النصوص المثيرة للجدل، خاصة تلك المتعلقة بحضور المحامين والحبس الاحتياطي، لضمان التوازن بين الأمن والحرية.
وأكدت أن العدالة لا تتحقق إلا من خلال الشفافية والمساءلة، وأن سيادة القانون الحقيقية تعني حماية حقوق الإنسان لا تقييدها.