في لقاء مسجل تم عرضه في منتدى أسوان الاقتصادي ، قدم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي خطاباً دبلوماسياً يفيض بوعود الشراكة ودعم القارة، لكن قراءة ما بين السطور تكشف عن حقيقة مغايرة: استراتيجية مدروسة للنفاذ إلى ثروات القارة ومشروعاتها.
فخلف عبارات مثل "تفعيل القدرات"، تختبئ أجندة اقتصادية وسياسية تجمع بين الطمع في الموارد والتسول المبطن للنفوذ عبر تولي ملفات إعادة الإعمار، مما يحول أفريقيا من شريك إلى مجرد ساحة لتوسيع التسول

في كلمته، رسم السيسي صورة وردية لمستقبل القارة، مشدداً على أنها "تزخر بمقومات وموارد وثروة بشرية هائلة"، وأن اتفاقية التجارة الحرة القارية هي "ركيزة" هذا المستقبل.
كما سلط الضوء على جهود إعادة الإعمار بعد النزاعات، مؤكداً أن مصر "تتولى هذا الملف" في الاتحاد الأفريقي، ومنتقداً في الوقت نفسه عجز المجتمع الدولي عن مواجهة الأزمات الإنسانية.
 

 

بين الطمع في الموارد وتسول النفوذ
الخطاب الذي يبدو داعماً، يحمل في طياته أهدافاً موازية تجمع بين الطمع في الثروات وطلب النفاذ إلى المشروعات:

  1. الطمع في الثروات الطبيعية والبشرية
    عندما يصف السيسي أفريقيا بأنها "تزخر بالموارد"، فإنه عملياً يضعها في خانة "مخزون الموارد" الذي ينتظر من يستثمره. هذا التعبير، في سياق سعي مصر لتعزيز نفوذها، يقدم ثروات القارة كـ"نعمة" تُعرض للاستغلال لا كقاعدة لتعاون متكافئ. ويأتي ذكر اتفاقية التجارة الحرة ليعزز هذا الطمع، إذ تفتح الأسواق لمن يملك القدرة على اختراقها، مما يمنح مصر أفضلية واضحة للاستحواذ على حصة الأسد من الفرص.
     
  2. تسول النفاذ إلى مشروعات إعادة الإعمار
    إن تأكيد السيسي على أن مصر "تقود" ملف إعادة الإعمار ليس مجرد إعلان عن دور دبلوماسي، بل هو "طلب ضمني" لتفويضها كشريك مركزي في هذه المشروعات المربحة. لغة "قيادة الملف" تعني امتلاك مكانة ومحورية بين المانحين والمشروعات، مما يضمن لمصر النفاذ المالي والإداري. إنه شكل من أشكال "تسول النفوذ"، فمصر لا تطلب المساعدة صراحة، بل تطالب بالتمكين تحت عباءة المسؤولية، قائلة بلسان الحال: "دعونا في مركز القرار لنضمن حصتنا".
     
  3. من استغلال الثروات إلى النفاذ عبر الإعمار
    ملف إعادة الإعمار يتضمن مشروعات ضخمة وبنية تحتية وعقوداً واستثمارات. بوضع مصر نفسها في موقع "المعالج" لهذه الأزمات، فإنها تمهد الطريق للاستفادة من ثروات المناطق التي يتم إعادة إعمارها عبر عقود واستثمارات. وهنا يبرز السؤال: هل تسعى مصر للمساعدة حقاً، أم أنها تخلق "فرصاً استثمارية" باسم إعادة الإعمار، لتنفذ من خلالها إلى ثروات تلك الدول؟
     
  4. تناقض فاضح: تنمية شاملة أم مصلحة استراتيجية؟
    يفتقر خطاب السيسي إلى أي تفصيلات حول كيفية ضمان مشاركة عادلة للدول الأفريقية أو منع الهيمنة. عندما يُطرح أن مصر "تتولى ملفاً"، يظل السؤال معلقاً: هل هو تولي قائم على الشراكة، أم تولي يهدف إلى ضمان نفاذ مصري للمشروعات؟ هذا الغموض يفسر على أنه طموح توسعي وليس مجرد شراكة متوازنة، ويترك حقوق الدول الأفريقية في التحكم بمواردها في مهب الريح.