في مشهد يثير الدهشة أكثر مما يدعو للفخر، فازت مصر في 14 أكتوبر 2025 بعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للفترة من 2026 إلى 2028، بعد حصولها على 173 صوتًا في الجمعية العامة. وبينما اعتبرت الحكومة المصرية الفوز "انتصارًا دبلوماسيًا" يعكس "ثقة المجتمع الدولي"، رأى حقوقيون مصريون ودوليون أن الحدث يمثل مكافأة لنظام متهم بانتهاك كل ما يفترض أن يدافع عنه المجلس ذاته.

 

فور إعلان النتائج، عجّت صفحات المنظمات الحقوقية بتصريحات غاضبة وصفت الخطوة بأنها "وصمة عار" في جبين الأمم المتحدة و"غطاء سياسي" لتبييض سجل مليء بالاعتقالات، والتعذيب، وتكميم الأفواه. لم يكن الاعتراض على فوز دولة بعينها، بل على تحويل المؤسسة الأممية إلى منصة لتلميع أنظمة قمعية تستقوي بشرعيات شكلية بينما تسحق مجتمعاتها في الداخل.

 

ثمن الخيانة

 

الإعلامي محمد ناصر كتب " مصر خدت مقعد في مجلس حقوق الإنسان… بس الحقوق نفسها لسه في الزنزانة! من الايزو لليونسكو لصندوق النقد، نفس السيناريو.. جوايز ومناصب بدل محاسبة على القتل والقمع والنهب! دي مش شطارة دبلوماسية… ده تمن خيانة مدفوع بالدولار والسكوت!".

 

 

تحالفات سياسية

 

يرى مراقبون أن فوز القاهرة لا علاقة له بتحسن أوضاع حقوق الإنسان، بل هو نتاج تحالفات سياسية وصفقات دبلوماسية داخل أروقة الأمم المتحدة. ويقول بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ، إن منح النظام المصري هذا المقعد "يشجع السلطة على التمادي في القمع، بدلًا من إصلاحه"، مضيفًا أن المجلس تحوّل إلى أداة بيد الأنظمة بدلًا من أن يكون رقيبًا عليها.

 

وفي الداخل، لا تزال بعض الأصوات الجريئة تحاول فضح هذا التناقض رغم كلفة الكلمة. المحامي الحقوقي نجاد البرعي، الذي استقال سابقًا من المجلس القومي لحقوق الإنسان، يرى أن أي حديث عن "تقدّم" بلا تعديل للتشريعات القمعية هو محض خداع. فالقوانين التي تُستخدم لتقييد حرية الرأي والتعبير، مثل قانون الجمعيات الأهلية والإجراءات الجنائية، لا تزال قائمة، فيما يُمارس الأمن سياسة "تدوير القضايا" لإبقاء النشطاء رهن الحبس الاحتياطي إلى أجل غير مسمّى.

 

الرموز خلف القضبان: الدليل الأقوى على التناقض

 

يتساءل كثيرون: كيف تفوز دولة بعضوية مجلس حقوق الإنسان بينما تكتظ سجونها بآلاف المعتقلين السياسيين؟

 

الناشط البارز علاء عبد الفتاح، الذي أُفرج عنه مؤخرًا في سبتمبر 2025 تحت ضغط دولي، يمثل حالة رمزية فاضحة. فحريته لم تكن نتيجة مراجعة داخلية أو مصالحة وطنية، بل صفقة اضطرارية لتجميل الصورة الخارجية، بينما لا يزال آلاف آخرون خلف القضبان بلا تهمة حقيقية.

 

الحقوقي جمال عيد والصحفي حسام بهجت وغيرهما يشيرون إلى أن استمرار احتجاز شخصيات سياسية مثل باسم عودة ومحمد البلتاجي، إلى جانب أكاديميين وخبراء اقتصاديين مثل عبد الخالق فاروق، يُظهر أن النظام لا يضيق فقط بالمعارضة، بل بكل رأي مستقل يخرج عن النص الرسمي.

 

وفي تقاريرها الأخيرة، أكدت منظمات مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش أن الانتهاكات في مصر ليست "تجاوزات فردية" بل سياسة دولة تشمل الاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، والحبس الانفرادي، والتعذيب النفسي والجسدي الممنهج.

 

تجميل القمع بالشرعية الدولية

 

في الجوهر، لا يعكس فوز مصر بعضوية المجلس سوى قدرة النظام على تسويق نفسه خارجياً رغم انهيار الثقة داخلياً. فبينما يضيق الفضاء العام إلى حدّ الاختناق، تُحشد أدوات الدولة الإعلامية لتسويق "صورة زائفة" عن انفتاح غير موجود وإصلاحات لم تبدأ بعد.

 

ويحذّر مراقبون من أن منح هذه الشرعية الدولية للنظام يُضعف مصداقية الأمم المتحدة نفسها، إذ يصبح المجلس، الذي يفترض أن يحاسب الجلادين، منصة لتكريمهم. كما يرى محللون أن فوز القاهرة يوجّه رسالة خطيرة للمجتمع المدني المصري، مؤداها أن العالم لن يقف في صف الضحايا، بل مع النظام الذي يعاقبهم.

 

شرعية بلا عدالة

 

يخلص خبراء إلى أن عضوية مصر في مجلس حقوق الإنسان لن تغيّر من الواقع شيئًا. فالممارسات الأمنية مستمرة، والقوانين المقيدة قائمة، والمجتمع المدني محاصر، بينما تُستخدم المناصب الدولية كستار لتجميل وجهٍ لم يعد يُخفى قبحه.

 

إنها، كما وصفها أحد الحقوقيين، "شرعية على مقاس القمع": مكسب رمزي لنظام فقد شرعيته الأخلاقية، وخسارة فادحة لمبدأ العدالة الذي يُفترض أن يحكم العالم.