تحولت مدينة شرم الشيخ، اليوم الاثنين، إلى مسرح لعرض دبلوماسي ضخم بعنوان "قمة شرم الشيخ للسلام"، انتهى بتوقيع وثيقة وقف إطلاق النار في غزة بعد حرب دامت عامين.

لكن خلف الأضواء وعدسات الكاميرات، بدت القمة أقرب إلى مشهد دعائي كبير تحاول من خلاله حكومة قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي استعادة بريقها السياسي وصرف أنظار الداخل عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تعصف بالبلاد.

 

السلام كأداة لتلميع الصورة

قدّم الإعلام الرسمي القمة على أنها "انتصار للدبلوماسية المصرية"، وأن السيسي "أعاد لمصر مكانتها القيادية في المنطقة".

غير أن مراقبين يرون أن النظام سعى عبر هذا الحدث إلى إعادة تسويق نفسه أمام الغرب، مستفيداً من رمزية الملف الفلسطيني لاستعادة شرعية خارجية تتآكل بفعل الانتقادات الحقوقية والانهيار الاقتصادي المتواصل.

فبينما كانت شاشات التلفزة تبث صور الوفود في منتجع فاخر تحيط به الأضواء، كانت القاهرة ومدن مصرية أخرى تغلي بسبب ارتفاع الأسعار، وتراجع الجنيه، وإجراءات التقشف التي أثقلت كاهل المواطنين.

ويرى محللون أن اختيار شرم الشيخ لعقد القمة لم يكن بريئاً، فهي رمز قديم للدبلوماسية المصرية "الآمنة" البعيدة عن الشارع، وتُستخدم عادة كواجهة لتصدير صورة الاستقرار، في وقت تعيش فيه البلاد واحدة من أصعب أزماتها الاقتصادية منذ عقود.

 

وثيقة بلا مضمون فعلي

أما وثيقة وقف إطلاق النار التي تم توقيعها، فهي – رغم الضجيج الإعلامي – لم تقدّم جديداً ملموساً للفلسطينيين.

فالبنود المعلنة اقتصرت على وقف إطلاق النار وفتح المعابر تدريجياً بإشراف دولي، دون أي التزام واضح بإعادة الإعمار أو رفع الحصار الكامل.

حتى تشكيل لجنة المراقبة الدولية جاء بترتيبات تمنح القاهرة وواشنطن اليد الطولى في إدارة الملف، ما يثير تساؤلات حول مدى استقلال القرار الفلسطيني في هذه التسوية.

وبينما تحتفي حكومة السيسي بـ"نجاحها" في جمع القادة حول طاولة واحدة، تشير مصادر دبلوماسية إلى أن الاتفاق صيغ مسبقاً في مشاورات أمريكية-إسرائيلية، وأن دور القاهرة اقتصر على الإخراج الإعلامي وتوفير الغطاء العربي للوثيقة.

 

سياسة صرف الأنظار

جاءت القمة في توقيت حساس داخلياً، تزامن مع أزمة اقتصادية غير مسبوقة: ارتفاع الديون الخارجية، وتراجع الاحتياطي النقدي، وتآكل القدرة الشرائية، وتسريبات عن مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض إضافي.

ويرى مراقبون أن الحكومة استغلت ملف غزة لتخفيف الضغط الداخلي، عبر توجيه الأنظار نحو إنجاز دبلوماسي مزعوم.

وبحسب تقارير اقتصادية مستقلة، فإن مصر أنفقت ملايين الدولارات على الترتيبات الأمنية واللوجستية للقمة، في وقت تواجه فيه المستشفيات والمدارس والمحافظات نقصاً حاداً في التمويل والخدمات الأساسية.

يقول أحد المحللين السياسيين: "النظام المصري يبحث عن شرعية خارجية تُعوّض فشله الداخلي. القمة ليست من أجل غزة بقدر ما هي من أجل القاهرة."

 

فجوة بين الشعارات والواقع

في الوقت الذي يتحدث فيه الخطاب الرسمي عن "دور مصر القيادي في إرساء السلام"، يعيش المواطن المصري واقعاً مختلفاً: ارتفاع متسارع في الأسعار، توسّع في الديون، وتراجع في الحريات.

وبينما يُقدَّم وقف النار في غزة كإنجاز قومي، يتساءل مصريون: لماذا لا تُبذل الجهود نفسها لإنهاء أزماتهم اليومية؟

حتى بعض الأصوات في الإعلام المحلي، التي عادة ما تلتزم الخط الرسمي، لم تخفِ ملاحظاتها على مبالغة الحكومة في تصوير الحدث، معتبرةً أن القمة تحوّلت إلى مناسبة لترويج الذات أكثر من كونها خطوة حقيقية نحو السلام.

 

ختامٌ بطعم السياسة لا السلام

اختُتمت القمة بالتصفيق والكلمات المنمقة عن "الأمل الجديد في الشرق الأوسط"، لكن خلف تلك العبارات ظل السؤال قائماً: هل ما جرى في شرم الشيخ خطوة نحو سلام دائم، أم مسرحية سياسية أعدّتها السلطة للهروب من أزماتها الداخلية؟

في ظل الغلاء، وغياب الشفافية، وتفاقم الدين العام، يصعب إقناع المصريين بأن إنجازات السياسة الخارجية يمكن أن تُخفي واقعهم المرير.

وبذلك، تبدو قمة شرم الشيخ، رغم كل ما أُحيط بها من هالة، حدثاً دعائياً بامتياز — سلامٌ على الورق، يُستخدم لتزيين صورة نظامٍ مأزوم أكثر مما يخدم شعباً محاصراً في غزة أو شعباً مثقلاً في الداخل المصري.