شهدت مدينة شرم الشيخ ، أمس الاثنين، ما سُمّي بـ"قمة شرم الشيخ للسلام"، التي انتهت بتوقيع وثيقة وقف إطلاق النار في قطاع غزة بعد حرب مدمّرة استمرت عامين، خلّفت عشرات الآلاف من الضحايا ومشهدًا إنسانيًا مأساويًا.

ورغم ما تحمله الوثيقة من وعود بوقف القتال وبدء إعادة الإعمار، إلا أن كثيرين يرون أن القمة جاءت في الأساس لتخدم أهدافًا سياسية داخلية وخارجية للنظام المصري، الساعي لاستعادة حضوره الإقليمي وتلميع صورته أمام الغرب بعد سنوات من التراجع والانتقادات الحقوقية.

 

الوساطة المصرية: بين الدور الحقيقي والدعاية السياسية

قدّم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي القمة باعتبارها "انتصارًا للدبلوماسية المصرية" ودليلاً على قدرة القاهرة على قيادة جهود السلام في المنطقة.

غير أن مراقبين اعتبروا الحدث جزءًا من حملة منظمة لتلميع صورة النظام، أكثر منه خطوة جادّة نحو إنهاء مأساة غزة.

فبينما كانت الكاميرات تلتقط صور الزعماء في قاعات فخمة مزدانة بالأعلام، كانت مشاهد الدمار في القطاع تكشف حجم الفجوة بين الخطاب الرسمي والواقع الإنساني.

ويرى محللون أن القاهرة تحاول من خلال هذه القمة إعادة تصدير نفسها إلى العالم كقوة استقرار إقليمي، بعد أن تراجع نفوذها في السنوات الأخيرة لصالح لاعبين آخرين كقطر وتركيا.

ويقول أحد الدبلوماسيين الأوروبيين المشاركين إن "ما جرى في شرم الشيخ هو استعراض دبلوماسي أكثر منه اتفاق حقيقي"، مشيرًا إلى أن البنود المعلنة لا تتجاوز كونها وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار بآليات تنفيذ غامضة.

 

اتفاق غامض برعاية انتقائية

الوثيقة التي وُقعت برعاية مصرية-أمريكية تضمنت ستة بنود عامة: وقف النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وتبادل الأسرى، وفتح المعابر بإشراف دولي، ونشر بعثة مراقبة أممية، ثم استئناف المفاوضات السياسية في القاهرة خلال شهر.

لكن ما غاب عن الوثيقة – بحسب مصادر فلسطينية – هو أي التزام واضح من إسرائيل بوقف الحصار أو إنهاء الاحتلال، أو ضمانات حقيقية لإعادة الإعمار دون قيود سياسية.

بل إن بعض البنود، كما يقول المراقبون، "فُصّلت" بما يتيح لمصر والإدارة الأمريكية السيطرة على مفاتيح التنفيذ، خصوصًا ملف المعابر الذي تسعى القاهرة للهيمنة عليه بدعوى الأمن والسيادة.

ويشير محللون إلى أن القاهرة استخدمت هذا الملف كورقة ضغط سياسية واقتصادية، فهي تدرك أن أي مساعدات أو مشاريع إعمار ستمر عبرها، ما يمنحها نفوذًا ماليًا وسياسيًا يعيدها إلى دائرة الضوء بعد سنوات من العزلة.

 

كواليس مشحونة ومواقف متقلبة

القمة، التي بدأت وسط ضجيج إعلامي ضخم، كادت أن تفشل في ساعاتها الأولى بسبب خلافات بين الوفود المشاركة حول آليات الإشراف على الهدنة.

فقد رفضت إسرائيل حضور رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو رغم الضغوط الأمريكية، واكتفت بإرسال وفد صغير، فيما شهدت القاعة نقاشات حادة حول مشاركة وفد حماس، الذي تعمّدت القاهرة تقليص حضوره الإعلامي لتجنّب استفزاز حلفائها الغربيين.

أما مشاركة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فبدت أقرب إلى دعم سياسي للسيسي منها إلى اهتمام حقيقي بالملف الفلسطيني، إذ ركّز ترامب في كلمته على "أهمية التعاون الأمني" أكثر من معاناة المدنيين.

 

غزة تدفع الثمن من جديد

في غزة، استُقبل الاتفاق بمزيج من الأمل والتشكيك. خرج الناس إلى الشوارع مبتهجين بانتهاء القتال، لكنهم يدركون أن الهدنة لا تعني نهاية المعاناة.

فلم يتضمن الاتفاق خطة واضحة لإعادة الإعمار أو تعويض المتضررين، ولم تُحدّد الجهة المسؤولة عن تمويل إعادة بناء القطاع.

ويخشى الفلسطينيون أن يتحول وقف إطلاق النار إلى مجرد "هدنة سياسية" تُستخدم في تلميع النظام المصري وتحسين صورته أمام واشنطن وبروكسل، دون أي تغيير فعلي في واقعهم اليومي من حصار وفقر وانقطاع للكهرباء والمياه.

 

سلام مؤقت على أنقاض الوجع

ختام القمة جاء على وقع التصفيق والكلمات المنمقة عن "السلام الدائم"، لكن خلف الصور الرسمية ظل السؤال الأكبر بلا إجابة: لمن يخدم هذا الاتفاق؟

هل هو انتصار للإنسان الفلسطيني الذي أنهكته الحروب، أم ورقة سياسية جديدة بيد نظام يبحث عن شرعية خارجية بعد أن فقدها في الداخل؟

في كل الأحوال، نجح السيسي في خطف الأضواء لبضعة أيام، بينما يظل مصير غزة معلقًا بين الأمل والخذلان. فوثيقة شرم الشيخ، رغم ضجيجها الدبلوماسي، تبدو حتى الآن أقرب إلى اتفاق لتهدئة الصورة المصرية، لا لإنهاء مأساة الفلسطينيين.