أعادت سلطات الانقلاب مساء الاثنين اعتقال الصحافية صفاء الكوربيجي، بعد نحو عام ونصف على الإفراج عنها في قضية سابقة، وفق ما أفادت مصادر حقوقية ومحامون يتابعون القضية. وأوضح المحاميان خالد علي ونبيه الجنادي أن الكوربيجي عُرضت صباح الثلاثاء على نيابة أمن الدولة العليا في القاهرة، التي وجهت إليها عدة اتهامات، بينها الانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، وتمويل الإرهاب، واستخدام حساب إلكتروني لارتكاب جريمة نشر أخبار كاذبة.

وتعود خلفية القضية إلى منشور على مواقع التواصل الاجتماعي كتبته الكوربيجي في ديسمبر 2024، تطرّقت فيه إلى قضية تهجير بعض أهالي محافظة مطروح من منازلهم. وقررت النيابة حبسها 15 يوماً على ذمة التحقيق في القضية رقم 7256 لسنة 2025 حصر أمن دولة عليا، مع إمكانية تجديد الحبس.
 

متابعة نقابية ومطالبات بالإفراج
خلال جلسة التحقيق، حضرت معها هيئة الدفاع التي ضمت المحامي نبيه الجنادي وممثلًا عن نقابة الصحافيين المصريين. وفي السياق ذاته، أصدرت نقابة الصحافيين بياناً أعلنت فيه أن النقيب خالد البلشي ولجنة الحريات يتابعان القضية منذ فجر الاثنين. وطالبت النقابة بالإفراج الفوري عنها، مؤكدة ضرورة مراعاة وضعها الصحي والنفسي أثناء الحبس، نظراً للطبيعة الإنسانية لقضيتها وارتباطها بعمل صحافي لا يتجاوز حدود التعبير المهني.

وأكد البيان رفض النقابة المبدئي لاستمرار حبس الصحافيين في قضايا تتعلق بالنشر أو الرأي، مشددة على أن حرية الصحافة ليست جريمة، وأن معاقبة الصحافيين بسبب آرائهم أو تحقيقاتهم تمثل انتهاكاً صارخاً للدستور المصري والمواثيق الدولية.
 

سجل سابق من الملاحقات الأمنية
برز اسم صفاء الكوربيجي خلال السنوات الأخيرة في تقارير منظمات حقوقية وإعلامية، باعتبارها إحدى الصحافيات اللواتي تعرضن لملاحقات أمنية متكررة. ففي إبريل 2022، داهمت قوة أمنية منزلها، وصادرت أجهزة الحاسب والهاتف الخاصة بها، قبل أن تُقتاد إلى مقر النيابة للتحقيق في قضية ذات طابع سياسي، ووجهت إليها تهم مشابهة لتلك التي توجه عادة إلى الصحافيين والناشطين المنتقدين لسياسات الحكومة.

وبعد نحو عشرة أشهر من الاحتجاز، أُدرج اسمها ضمن دفعة من المفرج عنهم في فبراير2024، شملت نحو 32 موقوفاً، بينهم ثلاث صحافيات. ووصفت منظمات حقوقية مثل "هيومن رايتس ووتش" و"مراسلون بلا حدود" تلك الإفراجات بأنها خطوة محدودة نحو تخفيف القيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير في مصر.
 

أزمات مهنية متواصلة
بعد الإفراج عنها، واجهت الكوربيجي أزمة مهنية داخل مجلة الإذاعة والتليفزيون التابعة لهيئة ماسبيرو، إذ صدر قرار بفصلها من العمل، في خطوة اعتبرتها منظمات حقوقية "تعسفية" وذات خلفية سياسية. وفي مايو 2025، أصدرت محكمة شمال القاهرة الابتدائية حكماً لصالحها بإلزام المجلة بدفع تعويض قدره 88 ألف جنيه مصري (نحو 1800 دولار أميركي)، معتبرة قرار الفصل غير قانوني.

ورغم الحكم القضائي، ظلت الكوربيجي تواجه صعوبات في استعادة موقعها المهني، في ظل مناخ عام يوصف بأنه خانق للحريات الإعلامية، خصوصاً تجاه الصحافيين الذين ينتقدون أداء المؤسسات الرسمية أو يتناولون ملفات حساسة.
 

مناخ إعلامي تحت القيود
تأتي قضية الكوربيجي ضمن سياق أوسع من الملاحقات الأمنية التي طاولت صحافيين وناشطين بين عامي 2022 و2025، لا سيما من تطرقوا إلى قضايا الفساد أو الأوضاع المعيشية الصعبة. وتشير تقارير حقوقية إلى أن هذه الاعتقالات تُبنى غالباً على اتهامات فضفاضة مثل نشر أخبار كاذبة أو الانضمام إلى جماعة غير قانونية، ما يعكس استخدام القانون كأداة لتقييد حرية التعبير.

وفق تصنيف منظمة "مراسلون بلا حدود" لعام 2025، جاءت مصر في المرتبة 170 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة. كما تشير تقارير متعددة إلى أن عشرات الصحافيين المصريين ما زالوا خلف القضبان، بعضهم منذ سنوات دون محاكمة عادلة، في حين يواجه آخرون رقابة مشددة على أعمالهم، وحجباً متواصلاً لمواقع إلكترونية إخبارية.
 

أرقام متباينة وتجاوزات قانونية
تتباين الأرقام حول عدد الصحافيين المحتجزين في مصر، إذ ذكر الاتحاد الدولي للصحافيين ونقابة الصحافيين المصرية في يونيو 2025 أن هناك 22 صحافياً رهن الاحتجاز حتى مايو الماضي، معظمهم في حبس احتياطي طويل الأمد. بينما قدّر تقرير حديث لـ"مراسلون بلا حدود" العدد بـ21 صحافياً، في حين وثقت حملة "أنقذوا حرية التعبير" وجود أكثر من 23 صحافياً قيد الحبس، منهم نحو 15 تجاوزت مدة احتجازهم عامين.

ويعود هذا التباين إلى اختلاف معايير الحصر بين من هم قيد الحبس الاحتياطي ومن صدرت ضدهم أحكام نهائية، إضافة إلى شمول المحتجزين المستقلين أو النقابيين. غير أن المنظمات الحقوقية تجمع على أن تجاوز المدد القانونية للحبس الاحتياطي يمثل انتهاكاً صريحاً للقانون المصري والمعايير الدولية.

وفي النهاية فقضية صفاء الكوربيجي تمثل انعكاساً حاداً لأزمة حرية الصحافة في مصر، حيث يتقاطع الأمني بالمهني، ويتحول العمل الإعلامي أحياناً إلى مخاطرة شخصية. وبينما تؤكد نقابة الصحافيين على حقها في الدفاع عن أعضائها، يبقى مصير الكوربيجي، كسواها من الصحفيين المحتجزين، رهينة ملف قمع الحريات العامة.