يُتوقع أن تنحصر نتائج ما بعد الانتخابات البرلمانية التركية المقررة اليوم الأحد، بخمسة سيناريوهات مختلفة، يتمثّل أولها بحصول حزب "العدالة والتنمية" على الأغلبية البرلمانية الكافية للتفرد بتشكيل حكومة لوحده. وإذا كان هذا الاحتمال وارداً، فإن الغالبية البرلمانية التي تتحدث عنها معظم الاستطلاعات لن تكون كنتائج 2011 وبالتالي ستكون حكومة "العدالة والتنمية" أضعف تمثيلاً سياسياً عما كانت عليه في السابق، ومن غير المتوقع أن يكون هناك أي تغييرات على مستوى السياسة الداخلية أو الخارجية، وسيبقى مشروع الدستور الرئاسي طي الأدراج.
أما السيناريوهات الأربعة المتبقية فهي تندرج في سياق فشل "العدالة والتنمية" بأغلبية كبيرة تسمح له بالتفرد بالحكم، ولكن مع بقائه صاحب أكبر كتلة برلمانية، وبالتالي تكليف أحمد داود أوغلو بتشكيل الحكومة الائتلافية الجديدة.
ويتمحور السيناريو الثاني حول "الحركة القومية"، فعلى الرغم من رفض زعيمها دولت بهجلي كل الاقتراحات التي قُدّمت للحركة للتحالف مع "العدالة والتنمية" بعد الانتخابات الأخيرة، فمن المتوقع ألا يكون ما بعد هذه الانتخابات كما قبلها، خصوصاً بعد الضغط الكبير الذي واجهه دولت بهجلي بسبب مواقفه الرافضة للتحالف، وهو يبقى مع حزبه المفضل من قبل "العدالة والتنمية" للتحالف معه، سواء على مستوى القيادات أو على مستوى القاعدة الشعبية، لأسباب كثيرة منها انتماء الطرفين إلى "تيار الإسلام التركي"، مما يجعل التقارب أسهل. وأيضاً كون التحالف مع حزب صغير يمنح "العدالة والتنمية" إمكانية أكبر للتحرك سواء في الحكم أو حتى في الانتخابات المقبلة. وتبقى عقدة عملية السلام مع حزب "العمال الكردستاني"، وأيضاً بقاء الرئيس التركي ضمن صلاحياته الدستورية وعدم التدخل في عمل الحكومة، لكن هذه العقد قابلة للتفاوض وحتى عملية السلام، وإن كان "العدالة والتنمية" ملتزماً بها، لكنه أكد مرارا بأن كل شيء سيتغير، بدءاً من الاستراتيجية وانتهاءً باسم العملية بحد ذاته، مما يفتح الباب للتوافق عليها مع "الحركة القومية"، بما في ذلك إنشاء حكومة ائتلافية قصيرة العمر تستمر خلالها الاشتباكات بين قوات الأمن التركي و"العمال الكردستاني"، وخصوصاً أن بهجلي يتعرض لضغوطات كبيرة من قبل القاعدة الشعبية لصالح أن الحزب ما زال خارج الحكومة منذ انتخابات 2002 التي خرج فيها حتى من البرلمان.
ولكن على الرغم من ذلك، قد لا يرضخ بهجلي لكل هذه الضغوط، ويفضل البقاء في المعارضة، خصوصاً أن العمر الافتراضي لمعظم الحكومات الائتلافية التركية لا يتجاوز العام ونصف العام.
كما يلوح في الأفق سيناريو ثالث وهو ما يُطلق عليه التحالف الكبير بين "العدالة والتنمية" و"الشعب الجمهوري". وعلى الرغم من كونه الخيار الأفضل لنزع فتيل الاستقطاب الكبير الذي يعاني منه المجتمع التركي، إلا أنه يُعتبر الأخطر بالنسبة لـ"العدالة والتنمية" والأكثر بُعداً عن أردوغان، خصوصاً أن "الشعب الجمهوري" بات مقتنعاً بأنه لا مجال لرفع نسبة أصواته عن النسبة الحالية إلا بالعودة للحكم الذي لم يشارك فيه منذ العام 2002. وبحسب زعيم الحزب كمال كلجدار أوغلو، فإن معيار النجاح بالنسبة له لم يعد رفع نسبة الأصوات بل الوصول إلى الحكومة، مما سيجعل مجال التفاوض أوسع بين الحزبين، خصوصاً بعد التقارب الكبير الذي حصل بينهما خلال فترة التفاوض على تشكيل الائتلاف الحكومي بعد الانتخابات السابقة، والتي قدّم خلالها "الشعب الجمهوري" تنازلاً هاماً حول صلاحيات الرئيس، لكن يبقى شأن السياسة الخارجية المعضلة التي قد تدمر هكذا سيناريو.
أما السيناريو الرابع والذي يبدو الأقل حظاً للتحقق، اعتماداً على تجربة الانتخابات السابقة، وهو حكومة أقلية بين "الشعب الجمهوري" و"الحركة القومية" مدعوماً من الخارج بأصوات حزب "الشعوب الديمقراطي"، وإن كان الأخير قد أبدى استعداده لمثل هكذا سيناريو في الفترة السابقة، إلا أن حزب "الحركة القومية" لا يبدو أنه سيغامر بالظهور وكأنه يتمتع بدعم مباشر أو غير مباشر من قبل "الشعوب الديمقراطي"، لأن ذلك سيفقده أصواتاً كثيرة في الانتخابات المقبلة، وخصوصاً أن عمر هكذا حكومة سيكون قصيراً جداً.
ويبقى سيناريو أخير ممكن تحققه في حال فشل كل السيناريوهات السابقة، حينها لن يكون أمام الأحزاب السياسية سوى التوجّه إلى انتخابات جديدة ستجري غالباً في أبريل 2016، بكل ما تحمله هذه الانتخابات من تأثير لجهة فقدان الرأي العام التركي ثقته بساسته، وفقدان المستثمرين ثقتهم بالاقتصاد التركي الذي يواجه أساساً صعوبات كبيرة لجهة ارتفاع نسبة التضخم وتباطؤ النمو وانخفاض قيمة الليرة التركية.