لم تعد أزمة المخدرات في مصر مجرد قضية جنائية، بل تحولت إلى ظاهرة اجتماعية تعكس حجم الانفلات الأمني والأخلاقي في عهد السيسي.
فالأهالي في منطقة الوفاء والأمل بالهرم أطلقوا صرخة استغاثة بعدما تحوّل شارعهم إلى ساحة علنية لبيع المخدرات تحت سمع وبصر الجميع، في غياب كامل لدور الشرطة والأجهزة الرقابية.

هذه المشاهد لم تعد استثناءً، بل باتت جزءًا من واقع يومي يعيشه المصريون في مختلف المحافظات، حيث تراجعت هيبة الدولة وتحوّلت المخدرات إلى تجارة مزدهرة تهدد الشباب والمجتمع بأسره.
 

شكاوى الأهالي في الوفاء والأمل
في منطقة الوفاء والأمل بالهرم، يروي الأهالي كيف أصبح الشارع الرئيس في الحي سوقًا مفتوحًا للمخدرات، حيث يقف تجار السموم على نواصي الطرق يبيعون علنًا دون أي خوف من الملاحقة.

أحد السكان يقول: "الأطفال يرون كل شيء بأعينهم، والتجار يبيعون المخدرات كما تُباع السجائر، والشرطة غائبة وكأنها لا ترى".

آخرون أكدوا أن الوضع لم يعد يُحتمل، إذ تتعرض المنطقة لمخاطر أمنية من تجمعات الغرباء والمتعاطين، ما يهدد سلامة الأسر ويزرع الخوف في قلوب الأهالي.
ورغم تكرار الشكاوى للمسؤولين، لم يحدث أي تحرك فعلي، الأمر الذي دفع السكان للتساؤل: أين الدولة؟.
https://www.facebook.com/watch/?v=921607473377433
 

انفلات أمني وغياب الردع
هذه الظاهرة ليست مجرد فشل محلي في منطقة بعينها، بل انعكاس لحالة عامة من الانفلات الأمني في مصر.
فالشرطة التي تُحكم قبضتها على المعارضين والمتظاهرين، تبدو عاجزة – أو متعمدة – عن مواجهة تجار المخدرات الذين ينتشرون في وضح النهار.

يقول الخبير الاجتماعي د. سعيد صادق إن "الانفلات الأمني مرتبط بغياب الأولويات لدى الدولة، فبدلًا من مواجهة الجريمة المنظمة، تُوجَّه الجهود لقمع الأصوات المعارضة".
هذا التناقض فتح الباب أمام اتساع سوق المخدرات، حيث أصبح الشباب فريسة سهلة للبطالة والإحباط الاجتماعي في ظل غياب أي برامج حكومية جادة لمكافحة الظاهرة.
 

المخدرات تهدد مستقبل الشباب
الانتشار الواسع للمخدرات يترك أثرًا كارثيًا على المجتمع المصري، خصوصًا في صفوف الشباب الذين يمثلون أغلب السكان.
تقارير غير رسمية تشير إلى أن نسبة كبيرة من المتعاطين هم من الفئة العمرية بين 15 و35 عامًا، وهو ما يعني أن مستقبل البلاد برمته مهدد.

أحد أولياء الأمور من منطقة الهرم يقول: "نخاف على أولادنا من الشارع، لم يعد هناك أمان، والمخدرات تُعرض عليهم كما تُعرض الحلوى".
ومع ارتفاع الأسعار وتدهور مستوى المعيشة، يرى خبراء أن المخدرات تحولت إلى وسيلة للهروب من الواقع القاسي، ما يفاقم معدلات الإدمان والجريمة والانهيار الأسري.
 

ظاهرة تنتشر في مدن وقرى مصر
ما يحدث في الوفاء والأمل ليس معزولًا، بل جزء من خريطة أوسع لانتشار المخدرات في مصر.
ففي القرى الريفية، تنتشر زراعة المخدرات وترويجها، بينما في المدن الكبرى، تتحول الأحياء الشعبية إلى أسواق مفتوحة لتداول الحشيش والمواد المخدرة.

مناطق مثل المرج، بولاق، عزبة الهجانة، وبعض قرى الصعيد، باتت معروفة لتجارة وتعاطي المخدرات، حتى صارت الأسماء متداولة بين الشباب.

الباحث الاقتصادي محمود عبد السلام يرى أن "تدهور الأوضاع الاقتصادية وغياب فرص العمل ساعد على تفشي الظاهرة، فيما تستغل عصابات المخدرات هذا الفراغ لتوسيع نشاطها".

المشكلة إذن ليست في منطقة بعينها، بل في سياسات دولة فشلت في حماية شبابها وتركتهم نهبًا للجريمة والانهيار.

الخلاصة أن تحوّل شوارع الوفاء والأمل بالهرم إلى أسواق مفتوحة للمخدرات ليس سوى نموذج فجّ لما يحدث في مدن وقرى مصرية عديدة، حيث تتعايش الدولة مع الفساد والانفلات الأمني بينما ينهار النسيج الاجتماعي.

في ظل غياب رؤية واضحة لمواجهة الظاهرة، سيبقى الشباب المصري عالقًا بين الفقر والإدمان، وستظل الأسر رهينة الخوف على أبنائها من شارع بلا قانون.
ما يحدث اليوم يفضح فشل منظومة كاملة، تبدأ من الأمن وتصل إلى الاقتصاد، وتضع مستقبل مصر على المحك.