بينما اهتزت نيبال على وقع انتفاضة شعبية أطاحت بالنظام الحاكم بعد عقود من الفساد والفشل، شهدت منصات التواصل الاجتماعي في مصر تفاعلاً غير مسبوق.
مئات الآلاف من التغريدات عبّرت عن فرحة المصريين بنجاح الشعب النيبالي في كسر قيود الاستبداد، في وقت قابل الإعلام المصري الرسمي هذه التطورات بصمت كامل، وكأن ما يجري في كاتماندو لا يعنيه.
هذا التناقض بين صوت الشارع المصري المشتعل بالآمال، وإعلام السلطة الغارق في التجاهل، يطرح تساؤلات حول الخوف من عدوى الغضب الشعبي.
المصريون: "شعب نيبال فعلها ونحن بانتظار دورنا"
لم تقتصر التفاعلات على الإشادة بالشعب النيبالي، بل امتلأت منصات "إكس" و"فيسبوك" بتعليقات المصريين التي حملت رسائل سياسية مباشرة.
كتب أحد النشطاء: "شعب نيبال كسر حاجز الخوف وأسقط الفساد، ونحن قادرون على فعلها يوماً ما".
فيما علق آخر: "من كاتماندو إلى القاهرة، الشعوب لا تموت، والفساد لا يدوم". بعض الحسابات وضعت صوراً لاحتجاجات نيبال جنباً إلى جنب مع مشاهد من ميادين مصر في 2011، في إشارة واضحة إلى الحلم بعودة موجة الغضب الشعبي. هذه
التفاعلات كشفت تعطشاً عاماً للتغيير، وإيماناً بأن ما حدث في نيبال قد يكون نذيراً لما ينتظر المنطقة.
فكتب شبيب " حينما يثور الشعب تتنحى كل قوة ضده . فلا قوة تفوق قوة الشعب".
https://x.com/i/status/1965865632613958068
وكتب هاني " بـ #نيبال نزل الشباب على الشارع احتجاجًا على حظر بعض منصات التواصل. تاني يوم، رئيس الوزراء قدّم استقالته ليحفظ مي وجهه. أما عنا؟ "يا جبل ما يهزك ريح" ملزقين عالكراسي كأنهم أصحاب البلد ومش لخدمة الشعب. كل يوم انتهاك للسيادة ولا حياة لمن تنادي. فعلاً يلي استحوا ماتوا."
https://x.com/Its_Haneene/status/1965374333620256887
واحتفل رومي ميرو مع ثوار نيبال والقبض علي وزير المالية النيبالي الفاسد عقبال كل الفسدة يارب.
https://x.com/i/status/1966044533252034978
وقالت صفاء " الشعوب المقهورة، المنهوبة، المهمشة، مكتومة الأصوات…. غضبها غشيم #نيبال".
https://x.com/safa_ss/status/1965780957694448124
الناشط محمد عبدالرحمن " المكتب اللي ياما أصدر قوانين و قرارات تزهق الناس ف عشتها اصبح خرابه و ساكنه هارب من مواجهة الشعب .".
https://x.com/mohamed041979/status/1965944837867475310
الناشطة سمية الجنايني " الحل هو #نيبال بعيدا عن المعرضين والمطبلين والمتنطعين والأكلي على كل الموائد وبتوع الليكات و الترند .. مش هننسى".
https://x.com/somayyaganainy/status/1965884138155888840
الكاتب ومستشار الشهيد الرئيس مرسي " عقبال عندك يا متعاص، عن قريب إن شاء الله!".
https://x.com/AAAzizMisr/status/1966049138979778874
صمت الإعلام المصري: سياسة التعتيم المستمرة
في المقابل، التزمت القنوات والصحف المصرية الرسمية والخاصة بالصمت المطبق.
فلا خبر عن سقوط النظام النيبالي، ولا إشارة إلى الاحتجاجات أو العنف الذي رافقها.
يرى مراقبون أن هذا التجاهل ليس صدفة، بل انعكاس لسياسة إعلامية ممنهجة تقوم على حجب الأخبار التي قد تلهم الشارع المصري.
الصحفي المستقل خالد داوود وصف ذلك بقوله: "الإعلام في مصر يتصرف كما لو أن أي انتفاضة شعبية في العالم مجرد فيروس يجب عزله عن عيون الناس".
هذا الصمت خلق مفارقة صارخة بين ما يتابعه المصريون عبر وسائل إعلام أجنبية ومنصات رقمية، وما تقدمه لهم قنوات بلادهم من ترفيه وسرديات رسمية خالية من أي إشارة لنيبال.
مخاوف السلطة: شبح المقارنة مع الواقع المصري
السبب الأعمق لهذا التجاهل يكمن في خشية النظام المصري من أن يرى المواطنون أنفسهم في مرآة نيبال.
فالأزمات التي فجّرت الغضب هناك – الفساد المستشري، الغلاء، انهيار الخدمات الأساسية – تشبه إلى حد كبير الواقع المصري الحالي.
الاقتصادي ممدوح الولي كتب عبر صفحته: "الأسباب التي دفعت الشعب النيبالي إلى الثورة، من نقص الكهرباء وارتفاع الأسعار، موجودة لدينا بأشد الصور".
لهذا تبدو السلطات حريصة على منع أي تغطية قد تفتح الباب أمام المقارنات، أو تشجع الناس على الاعتقاد أن التغيير ممكن.
الشعوب تتواصل والإعلام الرسمي يتراجع
رد الفعل المصري الشعبي على أحداث نيبال أكد أن الشعوب العربية باتت أكثر ارتباطاً بما يجري في العالم، بعيداً عن الرقابة الرسمية.
منصات التواصل كسرت الحصار الإعلامي، ومنحت المصريين فرصة للانخراط في حوار عام حول مستقبلهم السياسي والاجتماعي.
بينما اختارت السلطة سياسة "الدفن بالرمال"، اختار الشارع أن يحتفل ويبعث برسائل مشفرة لنظامه: أن ما حدث في كاتماندو يمكن أن يحدث في القاهرة.
هذه الفجوة بين الشعب والإعلام الرسمي لا تكشف فقط ضعف الأخير، بل تعكس أزمة ثقة متفاقمة قد يكون لها انعكاسات خطيرة في المستقبل.
نيبال مرآة الغضب العربي
احتفالات المصريين الافتراضية بسقوط النظام في نيبال ليست مجرد متابعة لأخبار بعيدة، بل هي انعكاس لرغبة مكتومة في التغيير، ورسالة احتجاجية على الأوضاع الداخلية.
تجاهل الإعلام المصري لهذه الأحداث لن يمنع تسرّبها إلى وعي الناس، بل قد يزيد من شغفهم للبحث والمقارنة.
وهكذا تتحول نيبال إلى مرآة يرى المصريون فيها أنفسهم، بينما تواصل السلطة إنكار الحقائق. لكن التاريخ علّم أن الشعوب لا تنام طويلاً، وأن شرارة واحدة قد تعيد إشعال الحلم.