ما شهدته نيبال في الأيام الأخيرة من اعتداءات مباشرة على الوزراء والمسؤولين بالطوب والحجارة بسبب الغلاء ونقص الخدمات، لا يمكن قراءته بمعزل عن الواقع المصري. فالغضب الشعبي حين يشتعل لا يفرّق بين دولة وأخرى، ولا تقف أمامه حواجز أمنية أو جدران أسمنتية. وإذا كانت نيبال قد عكست صورة شعب بلغ أقصى درجات الانفجار، فإن مصر – بسياساتها العشوائية وقراراتها الاقتصادية القاسية – ليست بعيدة عن هذا السيناريو المرعب.
 

مطاردة الوزراء تحت وابل الحجارة
خرج آلاف المتظاهرين في شوارع نيبال احتجاجًا على موجات الغلاء غير المسبوقة ونقص الخدمات الأساسية. وخلال الاحتجاجات، حاصر المواطنون عددًا من الوزراء وأمطروهم بالحجارة والطوب.

أحد أكثر المشاهد تداولًا على وسائل التواصل الاجتماعي كان مطاردة وزير المالية، الذي لم يجد أمامه سوى القفز في أحد الأنهار للنجاة بنفسه من وابل الحجارة، في مشهد يُلخّص عمق الغضب الشعبي وانهيار صورة السلطة أمام الشارع.

الإعلامي حفيظ دراجي نشر صورًا وفيديوهات، وعلّق عليها قائلًا: "في نيبال، استباح رئيس الوزراء وزوجته، ومعهما زمرة من المسؤولين، خيرات البلاد بلا وازع ولا ضمير. عاشوا حياة الملوك في القصور، فيما تُرك الشعب يتخبط في مستنقع الفقر والحرمان.
وحين ضاق صدر الطاغية أكثر، حاول أن يُكمّم الأفواه ويحجب وسائل التواصل، ظانًّا أنه قادر على إخماد الغضب. لكنه لم يُدرك أن اللحظة قد حانت، وأن النار التي حاول إطفاءها قد اجتاحت الأخضر واليابس، فكان يوم الحساب الذي حرّر فيه الشعب أرضه من جبروت الفاسدين. إن الشعوب المقهورة، المنهوبة، المهمشة، والمكبوتة الأصوات… قد يبدو غضبها غشيمًا، لكنه إذا تجاوز الحدود صار إعصارًا عاتيًا لا يترك وراءه سوى الحرق والتحطيم والتهديم."

في نيبال، استباح رئيس الوزراء وزوجته، ومعهما زمرة من المسؤولين، خيرات البلاد بلا وازع ولا ضمير. عاشوا حياة الملوك في القصور، فيما تُرك الشعب يتخبط في مستنقع الفقر والحرمان. وحين ضاق صدر الطاغية أكثر، حاول أن يُكمِّم الأفواه ويحجب وسائل التواصل، ظانًّا أنه قادر على إخماد الغضب.… pic.twitter.com/4k8Lu6Cbp6

— hafid derradji حفيظ دراجي (@derradjihafid) September 11, 2025

 

كما تداول النشطاء عدة مقاطع فيديو توثّق لحظة مطاردة المتظاهرين لوزير المالية ومحاولته الهرب عبر النزول إلى مياه أحد الأنهار:

https://x.com/i/status/1965761063741264170
https://x.com/i/status/1965860326575923298
https://x.com/i/status/1966041994146275597
https://x.com/i/status/1965604086910537981
https://x.com/i/status/1965814918093140404
https://x.com/i/status/1965936909315891551

 

من مسؤول إلى "هدف حي" لغضب الجماهير
لم تتوقف الاعتداءات عند وزير المالية، بل تعرّض وزراء آخرون لهجمات مماثلة. الحشود الغاضبة حاصرت سياراتهم، رشقوها بالحجارة، وحاول بعض المتظاهرين تحطيمها بالكامل.

بالنسبة للشعب الغاضب، لم يعد الوزير شخصية محصنة أو رمزًا للسلطة، بل تحوّل إلى هدف حي يُحاسب في الشارع على كل قرار أدى إلى تجويع المواطنين أو حرمانهم من أبسط الخدمات.
 

المشهد النيبالي وصورة مصر المحتملة
ما جرى في نيبال يقدم مشهدًا تشبيهيًا يُذكّر بمصر، التي تعاني من أزمات اقتصادية خانقة: تضخم متسارع، نقص سيولة، غلاء فاحش، وانهيار في الخدمات العامة.
في مصر، تتزايد حالات الغضب المكتوم، والاحتقان الشعبي بلغ مستويات خطيرة.

وإذا استمرت الحكومة في تجاهل صرخات المواطنين، فإن ما حدث في نيبال قد يكون مجرد إنذار مبكر لما يمكن أن ينفجر في الشارع المصري، حيث لن تنفع الأجهزة الأمنية أو الإعلام الموجَّه في احتواء الغضب إن خرج عن السيطرة.
 

احتمالات الانفجار المصري
الخبير السياسي نظام المهداوي حذر مرارًا من أن سياسات القهر الاقتصادي في مصر "تُنتج قنابل موقوتة في الشارع، والانفجار مسألة وقت لا أكثر".

أما الكاتب ياسر الزعاترة، فيرى أن الشعوب حين تصل إلى حافة الجوع لا تعود تحسب حساب الخوف، وأن مصر ليست استثناءً من هذه القاعدة.

بهذا المعنى، فإن ما جرى في نيبال لم يكن مجرد حادثة محلية، بل رسالة إقليمية إلى كل الأنظمة التي تعتقد أن شعوبها بلا ذاكرة أو بلا قدرة على الغضب.
 

الرسالة واضحة
ما حدث في نيبال يُلخّص المعادلة ببساطة:
إذا لم تُلبَّ مطالب الناس، وإذا استمر التجاهل والبطش، فإن الشارع هو من سيتكفّل بالمحاسبة.

مصر اليوم تقف على حافة هذا السيناريو.
والسلطة أمام خيارين لا ثالث لهما:

  • إما معالجة جذور الأزمة،
  • أو انتظار لحظة قد يجد فيها الوزراء أنفسهم – كما في نيبال – يقفزون في النيل هربًا من غضب الجماهير.