أعلنت الحكومة عن خطة جديدة لترشيد استهلاك الفرد من مياه الشرب، تهدف إلى خفض المتوسط اليومي من 250 لترًا إلى 150 لترًا فقط، بدعوى مواجهة أزمة ندرة المياه التي تهدد البلاد.
وقد جاء القرار في وقت يعاني فيه المواطنون من أعباء اقتصادية خانقة وارتفاع حاد في تكاليف المعيشة، ما أثار موجة واسعة من الغضب الشعبي والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط اتهامات للحكومة بالفشل في إدارة الموارد وتحميل المواطن البسيط كامل المسؤولية.
المواطن في الواجهة... الحكومة تُحمّله الفاتورة
ركزت مبررات الحكومة على ضرورة ترشيد الاستهلاك وتغيير سلوكيات الأفراد، لكن خبراء المياه يؤكدون أن الكارثة الحقيقية لا تكمن في سلوك المواطن، بل في غياب سياسات رشيدة لإدارة الموارد المائية.
يقول الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة:
"كيف نطلب من المواطن تقليل استهلاكه، بينما تستهلك ملاعب الجولف والمشروعات السياحية كميات هائلة من المياه يوميًا؟ المشكلة في سوء التخطيط، لا في المواطن."
الفقراء يدفعون الثمن... والمياه تُهدر في الرفاهية
وصفت الخطة الحكومية بأنها "تعطيش ممنهج" للفقراء، في ظل استمرار المشروعات الفاخرة التي تستهلك آلاف الأمتار المكعبة من المياه لري المساحات الخضراء.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي مجدي عبد الغفار:
"القرارات الحكومية دائمًا ما تستهدف المواطن محدود الدخل، بينما لا تقترب من المشروعات الكبرى التي تلتهم المياه بلا حساب. هذه السياسات تُظهر غياب العدالة في إدارة الموارد."
سخرية عارمة على مواقع التواصل: "اشربوا بالشفاطة"
لم يقتصر رد الفعل الشعبي على الغضب، بل تحول إلى سخرية لاذعة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت هاشتاغات مثل: #تعطيش_الشعب و#اشرب_بالشفاطة، تعبيرًا عن الرفض الشعبي الواسع للخطة الحكومية.
كتب أحد النشطاء:
"الحكومة عايزة الشعب يشرب بالشفاطة عشان المية ما تخلصش.. طب إيه رأيكم نشرب كلنا في كوب واحد؟"
وغرد آخر:
"من النهارده هنغسل وشنا يوم والتاني لأ، ونستحمى في الأعياد والمناسبات القومية بس!"
وسخر أحدهم قائلاً:
"إحنا مش في الفقر المائي.. إحنا في الفقر الحكومي."
ومن التعليقات الشعبية أيضًا:
"ودا ازاي يسطا لمؤاخذة" — @0_0ahmed_
"يعني إيه؟ هيقللوا المصروف من المحطات؟ ضغط المية هيقل؟ ولا إيه؟" — @sabb34567
"كل لقمة وكل شربة ماء حُرم منها مسلم في غزة، سنُحرَم أضعافها، والجزاء من جنس العمل." — @ashrafk51170921
"بدأت بتخفيض حصة الفرد لـ 5 أرغفة، حذف ملايين البطاقات، صبحًا على مصر بجنيه، ثم تخفيض وزن الرغيف من 110 جرامًا إلى 90 جرامًا، ورفع سعره من 5 قروش إلى 20 قرشًا، ثم إلغاء الدعم عن الكهرباء والغاز والوقود... ولسه!" — @AAlkhwly97646
"هتقطعوا المياه 10 أيام في الشهر؟ ولا هتقطعوها خالص؟ ولا هتسمونا؟" — @islamsabry79
"أشعر أن أهل مصر سيعانون كما تعاني غزة... يا أهل مصر، أنقذوا أنفسكم!" — @Mosalah887766
من القطارة إلى ملاعب الجولف: مفارقات بصرية
لم تقتصر المنشورات الساخرة على النصوص، بل تداول المستخدمون صورًا كاريكاتيرية تُظهر مواطنًا يشرب من قطّارة، وأخرى تقارن بين المواطن الذي يعاني من العطش وملاعب الجولف الخضراء التي تُروى بكميات ضخمة من المياه يوميًا.
أزمة ثقة تتفاقم
يحذر خبراء الاجتماع من أن مثل هذه القرارات تُعمّق الفجوة بين الدولة والمواطن، خاصة في ظل غياب الشفافية في إدارة ملف المياه.
يقول الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي:
"هذه القرارات تُشعر المواطن بالعجز، لأنه يرى أن الحكومة تتجاهل المشروعات الكبرى التي تهدر المياه، وتطالبه وحده بتحمُّل الأزمة. وهذا يخلق حالة من الغضب ويفاقم أزمة الثقة في السياسات الرسمية."
بين رواية الحكومة وواقع الناس
في الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة أن خطتها تهدف إلى إنقاذ الموارد المائية، يرى كثير من المواطنين أن ما يحدث ليس سوى سياسة جديدة لتجفيف حياتهم اليومية، بدلًا من معالجة جذور الأزمة.
ويتساءل المواطنون: لماذا لا تبدأ الحكومة بتطوير شبكات الري، وإصلاح التسرب في الأنابيب، والحد من الهدر في قطاعات السياحة والزراعة بدلاً من تحميل المواطن المسؤولية؟
رغم أن "الأمن المائي" شعار جميل في ظاهره، إلا أن الطريقة التي يُطبَّق بها تُثير القلق أكثر مما تُطمئن.
فالمواطن البسيط، الذي يُطلَب منه أن "يترشّد"، لا يرى في الأفق سوى فواتير جديدة، وقيودٍ إضافية، في بلد تُسقِط فيه كل أزمة جديدة مزيدًا من أعباء الحياة على كاهله.