تمرّ اليوم، 7 أكتوبر، ذكرى أحد أبرز الأبطال الذين سكنوا الذاكرة الوطنية المصرية، الجندي سليمان محمد عبد الحميد خاطر، الذي تحوّل من مجنّد في قوات حرس الحدود إلى رمز شعبي للمقاومة الوطنية ضد التطبيع والانبطاح أمام إسرائيل.

ورغم مرور ما يقارب أربعة عقود على رحيله، ما زالت قصته حيّة في وجدان المصريين، تذكّرهم بزمنٍ كان فيه الدفاع عن الأرض والكرامة أسمى من الحسابات السياسية.
 

من قرية فقيرة إلى موقع الشرف على الحدود
وُلد سليمان خاطر عام 1961 في قرية أكياد البحرية بمحافظة الشرقية، في أسرة بسيطة متديّنة. التحق بالخدمة العسكرية أواخر السبعينيات، في وقتٍ كانت فيه مصر تعيش مرحلة انتقالية بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وسط رفض شعبي واسع للتقارب مع إسرائيل.

وفي أكتوبر عام 1985، كان خاطر يؤدي خدمته في نقطة حراسة بمنطقة رأس برقة بجنوب سيناء، حين فوجئ بمجموعة من السياح الإسرائيليين يخترقون المنطقة العسكرية المحظورة. وكما سجّل في التحقيقات، وجّه لهم إنذارًا عدة مرات بالتوقف، لكنهم تجاهلوه، فأطلق النار دفاعًا عن موقعه العسكري، ما أدى إلى مقتل سبعة منهم، بينهم أربعة أطفال.

لم تكن الواقعة مجرد حادث حدودي، بل تحوّلت إلى قضية سياسية مفصلية، إذ اعتبرتها السلطة الرسمية “حادثة جنائية”، بينما رآها الشارع المصري عملاً بطوليًا يجسّد رفض التطبيع مع العدو الإسرائيلي.
 

محاكمة سرّية لبطل شعبي
بدلاً من تكريم الجندي الذي ظنّ أنه يؤدي واجبه الوطني، أقدمت السلطات على محاكمته عسكريًا في جلسات مغلقة بعيدًا عن الإعلام والرأي العام.

وفي ديسمبر 1985، صدر بحقه حكم بالسجن مدى الحياة، دون السماح للصحافة بمتابعة الجلسات.
لكنّ الشارع المصري لم يصمت، إذ اندلعت مظاهرات طلابية واسعة في جامعات القاهرة وطنطا والإسكندرية، مردّدة هتافات: “سليمان خاطر مش مجرم… دا بطل من مصر”.

العديد من المثقفين والكتاب، مثل أحمد فؤاد نجم وصلاح جاهين، عبّروا في قصائدهم ورسومهم عن تضامنهم مع خاطر، الذي اعتبروه ابن الشعب الذي رفض رفع علم العدو على أرضٍ روتها دماء الشهداء.
 

نهاية غامضة واتهامات باغتيال سياسي
في 7 يناير 1986، أعلنت السلطات أن سليمان خاطر “انتحر شنقًا باستخدام ملاءة سريره” داخل مستشفى السجن العسكري. غير أن هذه الرواية الرسمية قوبلت بتكذيب واسع.
أسرته، خصوصًا والدته، أكدت أن ابنها “مقتول مش منتحر”، مشيرة إلى أنه كان قوي الإرادة ولا يخاف إلا من الله.

خرجت مظاهرات في الجامعات والنقابات رفضًا للرواية الرسمية، معتبرة أن خاطر قُتل لإسكاته بعد أن تحوّل إلى رمز شعبي يهدد صورة النظام السياسي الذي تبنّى مسار التطبيع.
وحتى اليوم، لم يُفتح تحقيق مستقل يؤكد أو ينفي هذه الشبهات، لتظلّ القضية إحدى النقاط السوداء في سجل العدالة العسكرية المصرية.
 

ذكرى لا تموت
رغم محاولات طمس اسمه من الذاكرة الرسمية، ظلّ خاطر حيًا في وجدان المصريين. فذكراه تذكّر بأن الوطنية ليست في الشعارات ولا في التصريحات الدبلوماسية، بل في المواقف التي تُدفع فيها الأرواح ثمنًا للكرامة.
لقد حاولت السلطة دفن قصته، لكنها فشلت، لأن الأجيال التي لم تعرفه ما زالت ترى فيه شهيد الكرامة المصرية.

وفي كل ذكرى لرحيله، يعود السؤال ذاته: هل يمكن لوطنٍ أن ينهض إذا عاقب أكثر أبنائه إخلاصًا؟