أثار تصريح المستشار وليد شرابي، القاضي السابق وعضو حركة "قضاة من أجل مصر"، عاصفة من الجدل بعد أن كشف أن خرائط جوجل أظهرت جزيرتي تيران وصنافير كأراضٍ تابعة للمملكة العربية السعودية، وذلك بعد ساعات فقط من زيارة عبد الفتاح السيسي غير المعلنة إلى الرياض.

هذا التحديث المفاجئ أعاد إلى الواجهة واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في مصر خلال العقد الأخير: هل انتقلت السيادة بالفعل إلى السعودية؟ أم أن ما جرى مجرد تمهيد تقني لواقع سياسي مفروض منذ توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية عام 2016؟
 

زيارة مفاجئة.. وتحديث "مريب"
تزامن إدراج الجزيرتين على خرائط جوجل كأراضٍ سعودية مع زيارة غير معلنة للسيسي إلى السعودية، وصفتها مصادر سياسية بأنها جاءت في ظل ملفات شديدة الحساسية بين البلدين، على رأسها:

  • المساعدات الاقتصادية السعودية،
  • مستقبل الاستثمارات،
  • الوضع الإقليمي في البحر الأحمر.

وقد تساءل وليد شرابي في منشور له عبر منصة X (تويتر سابقًا):

"بعد ساعات قليلة من زيارة السيسي إلى المملكة، حدث جديد طرأ على خرائط جوجل: أصبحت تيران وصنافير سعودية.. ماذا يعني ذلك؟"
 

لم يكن شرابي الوحيد؛ فقد وصف البرلماني السابق أشرف بدر الدين الأمر بأنه "طعنة في الجسد"، فيما أشار الدكتور طه نجا إلى أن الاتفاقية تدخل حيز التنفيذ القانوني بعد تبادل رسائل التصديق وإخطار الأمم المتحدة.
 

من اتفاقية مثيرة للجدل إلى واقع مفروض
تعود القصة إلى عام 2016، حين أعلنت الحكومة المصرية توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع السعودية، تضمنت نقل السيادة على الجزيرتين.
وقد فجر الإعلان غضبًا شعبيًا عارمًا، واعتُبر الاتفاق بمثابة "بيع للأرض مقابل دعم مالي".

ورغم أحكام القضاء التي أكدت مصرية الجزيرتين، واحتجاجات واسعة، وتحركات شعبية ضخمة، فإن الحكومة مررت الاتفاقية في البرلمان وصدّق عليها السيسي في يونيو 2017.
لكن حتى وقت قريب، ظل كثيرون يعتقدون أن الإدارة الفعلية للجزيرتين لم تُسلّم، لأسباب أمنية تتعلق بـ"كامب ديفيد" ووجود قوات دولية.

تحديث الخرائط.. مؤشر لا يمكن تجاهله
ظهور تيران وصنافير على خرائط جوجل تحت السيادة السعودية لم يُنظر إليه على أنه "تحديث تقني" عابر، بل على أنه:

رسالة سياسية مفادها أن "الانتقال قد اكتمل"، وأن السيادة المصرية انتهت رسميًا.

يؤكد خبراء أن جوجل عادة لا تُحدّث خرائطها إلا بناءً على وثائق رسمية صادرة من الأمم المتحدة أو الدول ذات الصلة، ما يثير تساؤلات حول تبادل الرسائل بين مصر والسعودية، ودخول الاتفاقية حيز التنفيذ دون إعلان رسمي.

 

غضب على مواقع التواصل: "طعنة جديدة في كرامة المصريين"
سادت حالة من الغضب الشعبي على مواقع التواصل، حيث رأى ناشطون أن التحديث الأخير يمثل تنازلًا نهائيًا عن جزء من الوطن، نتيجة مباشرة للضغوط الاقتصادية، وصفقة سياسية مغلقة لم يُستفتَ عليها الشعب.
 

موقع استراتيجي.. وأبعاد إقليمية
تكتسب تيران وصنافير أهمية استراتيجية بالغة، فهما تقعان عند مدخل خليج العقبة وتتحكمان في الملاحة نحو ميناء إيلات (إسرائيل)، وميناء العقبة (الأردن).

ونقل السيادة يتطلب – بحسب اتفاقية كامب ديفيد – استمرار الترتيبات الأمنية مع بقاء قوات المراقبة الدولية.
لكن مراقبين يحذرون من أن هذه الخطوة قد تكون مقدّمة لتفاهمات سعودية-إسرائيلية جديدة، خاصة في ظل الحديث المتزايد عن التطبيع الكامل بين البلدين.
 

أين الشفافية؟ أين البرلمان؟
حتى اللحظة، لم تُصدر الرئاسة المصرية أو الحكومة أي بيان رسمي حول التغيير في الخرائط.
كما أن البرلمان لم يناقش الأمر علنًا، رغم أن المادة 151 من الدستور المصري تنص على وجوب عرض الاتفاقيات التي تمس السيادة على استفتاء شعبي — وهو ما لم يحدث مطلقًا في هذه القضية.
 

السيسي يلتزم الصمت.. وشرابي يفتح النار
في غياب التصريحات الرسمية، اكتسب منشور وليد شرابي زخمًا كبيرًا، وأعاد إشعال الجدل حول شرعية الاتفاقية.
يرى البعض أن التنازل كان "تحصيل حاصل" بعد تمرير الاتفاقية، لكن آخرين يرون أن ما حدث هو ثمن سياسي واقتصادي، في ظل الأزمات المتصاعدة التي تعيشها مصر.
 

الخلاصة: سيادة ضائعة أم أمر واقع؟
ما حدث على خرائط جوجل ليس مجرد تحديث رقمي، بل تأكيد رسمي دولي على أن تيران وصنافير أصبحتا سعوديتين.

لكن السؤال الأخطر يبقى:

هل ستظل هذه القرارات المصيرية تُدار في الغرف المغلقة بعيدًا عن أعين الشعب؟ أم أن الغضب الشعبي سيُجبر السلطة على الحساب