فتح الإعلامي والكاتب إبراهيم عيسى النار على وزير السياحة والآثار، مستنكرًا طريقة تدوير المناصب من «الطيران» إلى «السياحة والآثار» من دون رصيد مهني واضح في الحقل الجديد، ومتسائلًا عن مؤهلاته لافتتاح مشروع قومي بحجم المتحف المصري الكبير سوى أنه زار الاأهرام. هذا السؤال لا يقف عند حدود «الشخصي»، بل يجرّ خلفه ملفًا عامًا: كيف تُدار أهم ملفات الدخل القومي والتراث في مصر؟ وهل انعكست اختيارات الحكومة على أداء القطاع وسمعته؟.
https://x.com/i/status/1958945787271893326

وشريف فتحي تولّى حقيبة السياحة والآثار في تشكيل يوليو 2024 خلفًا لأحمد عيسى؛ وهو وزير سابق للطيران المدني ورئيس سابق لمجلس إدارة مصر للطيران، أي إن خبرته التنفيذية الأساسية خارج حقلي السياحة والآثار. هذا التغيير أثار جدلًا واسعًا منذ البداية: كيف يُكلّف شخص بلا خبرة مباشرة في التراث والسياحة بإدارة قطاع يمثل أحد أهم أعمدة الاقتصاد القومي؟
 

أرقام قياسية… لكن بأي كلفة؟
تتباهى الوزارة بأن 2024 سجّل نحو 15.7 مليون سائح، وهو رقم كبير على الورق، لكن القياس المهني لا يكون بالأعداد وحدها بل بجودة الإدارة والسمعة العامة واستدامة التدفقات. فالأزمات التي تفجّرت كشفت هشاشة الحوكمة:

الوزارة دافعت عن سياسات تسعير تذاكر «المتحف المصري الكبير» باعتبارها «مدروسة»، لكن منصّات التواصل اشتعلت بالنقد حول غياب الشفافية والفجوة الكبيرة بين أسعار المصريين والأجانب.

الحكومة تتحدث عن «تقدم السياحة رغم التحديات»، لكن الواقع يكشف أن القطاع يفتقد إلى وضوح الرؤية وحسن الإدارة، خاصة حين تتفجر أزمات كان يمكن احتواؤها بسهولة.
 

فضيحة إعلان المتحف الكبير.. أزمة إدارة لا أزمة إعلان
القصة باتت معروفة: شاب مصري أنتج إعلانًا غير رسمي للمتحف المصري الكبير مستخدمًا تقنيات الذكاء الاصطناعي، فتم توقيفه بدعوى انتهاك الملكية وتضليل الجمهور.
خلال ساعات انفجر غضب عام، ثم أفرج عنه. سواء اتفقنا مع مبررات إنفاذ القانون أم لا، فإن القضية دلّت على «عجز تواصلي» من الوزارة: بدل احتواء موجة الحماس الشعبي حول المتحف وتوجيهها، تحوّل الملف إلى أزمة حريات أضرّت بصورة أهم مشروع ثقافي في العقود الأخيرة.
 

ماذا يقول الخبراء؟
مختصون في التسويق الثقافي يرون أن الترويج للمؤسسات المتحفية الحديثة يقوم على إشراك المبدعين وصنّاع المحتوى، لا على تخويفهم.
وعندما تتحول قصة المتحف المصري الكبير من حدث ثقافي عالمي إلى جدل قانوني، فالخاسر هو «القيمة الرمزية» للمتحف وثقة الجمهور المحلي.
 

ملف «مدافن القاهرة»: أين تقف وزارة السياحة والآثار؟
بينما تعِد الوزارة بحماية التراث، تتواصل شكاوى محلية ودولية من هدم أجزاء واسعة من مقابر القاهرة التاريخية، وهي منطقة ضمن نطاق التراث العالمي لليونسكو. معماريون وباحثون محليون وأجانب تحدثوا عن شقّ طرق وجسور على حساب مقابر وأضرحة فريدة، في مشهد يعكس غياب أي سياسة حماية واضحة.
هذه القضية تمسّ صلب اختصاص الوزارة، حتى لو تشارك جهات أخرى في القرار العمراني. استمرار الجدل يعني فشلًا في التنسيق والدفاع المؤسسي عن مواقع فريدة.
 

مفارقة «الإنجاز»: أرقام بلا روح
يتحدث شريف فتحي عن خطط لزيادة الطاقة الفندقية واستهداف 30 مليون سائح على المدى المتوسط. طموح مفهوم، لكنه يحتاج إدارة رصينة وحوكمة شفافة، لا قرارات خشنة تُحوّل كل موجة اهتمام شعبي إلى أزمة.
عندما يتعارض خطاب «التحفيز» مع ممارسات تُنفر صنّاع المحتوى وتُربك الرأي العام الثقافي، يصبح الطموح مجرد «وعد» لا أكثر.
 

لماذا يغضب إبراهيم عيسى وآخرون؟
لأن سؤال الكفاءة ليس ترفًا:

وزير جاء من الطيران إلى السياحة والآثار بلا خبرة بحثية أو مهنية في التراث.

ملف التراث الحضري يتعرض لضغط مشاريع البنية التحتية، والوزارة تبدو في مقعد «المشاهد» أكثر من «الضامن».

إدارة المتحف المصري الكبير—أهم قصة ثقافية في عقود—تعثّرت تواصليًا حتى في «إعلان غير رسمي»، وكان يمكن تحويلها إلى قصة مشاركة مدنية ملهمة بدل قصة توقيف وإفراج.

ما الذي كان يجب فعله—وما الذي يمكن فعله الآن؟

  • استراتيجية تواصل للمتحف الكبير، تقوم على إشراك صنّاع المحتوى في مسابقات رسمية بدل سياسة الردع.
  • لجنة مشتركة دائمة لحماية التراث الحضري، تملك صلاحية وقف أي مشروع يهدد مواقع أثرية.
  • حوكمة تسعير شفافة للمتحف، مع برامج واضحة لدعم المصريين والطلاب والباحثين.
  • قياس الجودة لا الكم: نشر مؤشرات رضا الزوار وصيانة المواقع بدل التباهي بعدد السائحين فقط.

والوزارة تقول إنها تكسر الأرقام القياسية، لكن سمعة التراث لا تُقاس بعدّاد الدخول.
ما حدث في ملف «إعلان المتحف» وملف «مدافن القاهرة» يكفي ليؤكد أن الإدارة الحالية لا تزال أسيرة عقلية سلطوية في التعامل مع الثقافة، ومنطق «مشروعات الطرق» في التعامل مع التراث.
هذه ليست تفاصيل تقنية؛ إنها جوهر الموضوع الذي أثاره إبراهيم عيسى: من يحمي قصة مصر؟

حتى يُجاب عن هذا السؤال بالأفعال لا بالبيانات، سيظل اسم شريف فتحي مرادفًا لفرصة ضائعة: أرقام بلا روح، وافتتاح عظيم يتهدده تواصل رديء، وتراثٌ يطلب حارسًا أقوى من البيان الصحفي.