الفترة الصباحية من يوم الأحد في مدينة غزة كانت مختلفة عن أي صباح آخر.
شوارع المدينة المدمّرة بفعل القصف تحولت إلى ممر طويل يمر فيه جثمان الشهيد الصحفي أنس الشريف، المراسل الميداني الذي وثّق مأساة غزة حتى اللحظة الأخيرة قبل أن يلفظ أنفاسه تحت نيران الاحتلال.
في مستشفى الشفاء، احتشد المئات من عائلته، زملائه، والناشطين، وسط حالة من الصمت الممزوج بالتكبيرات.
كان الحزن حاضرًا، لكن الغضب كان أعمق، يخرج في نظرات الوداع وفي كلمات التحدي التي نُطقت على استحياء.
https://x.com/i/status/1954685204205023610
التكبيرات تسبق الجثمان
انطلق موكب الجنازة من ساحة المستشفى، والجثمان مغطى بالعلم الفلسطيني.
الهتافات صدحت في الهواء: "الله أكبر"، "بالروح بالدم نفديك يا فلسطين".
تعالت الزغاريد بين النساء رغم أن الدموع كانت تخنق أصواتهن، بينما وقف الشباب في الصفوف الأولى يرفعون يافطات كتب عليها: "الصحافة ليست جريمة".
كان المشهد مزيجًا من الفخر والحداد، وكأن غزة كلها خرجت لتشييع عينها التي رأت وفضحت.
شهادات من بين الحشود
وسط الجموع، قال محمود البطنيجي، زميل الشهيد في العمل: "أنس لم يكن مجرد مراسل، كان يعيش كل قصة، يرافق كل عائلة فقدت شهيدًا، وينقل الصورة كما هي دون خوف. اغتياله رسالة لإسكات الحقيقة، لكننا لن نصمت".
في جانب آخر، كانت أم أحمد، سيدة خمسينية، تمسك صورة لأنس وتبكي: "كنت أراه في الأخبار أكثر مما أرى أولادي... اليوم أشيّعه وكأنه من عائلتي".
الهتافات التي فضحت الألم
أصوات الشباب لم تتوقف طوال الطريق المؤدي إلى المقبرة. الشعارات تراوحت بين الحزن والمطالبة بالعدالة:
"صحفي حر... غزة تنتصر"
"أنس شهيد الكلمة"
"لن ننسى صوتك"
كل هتاف كان يبدو كأنه طعنة في جدار الصمت الذي يحاول الاحتلال فرضه على غزة.
الإعلام يوثق الجنازة
الكاميرات كانت حاضرة في كل زاوية، ليس فقط كاميرات القنوات الكبرى، بل حتى هواتف الشباب الذين أرادوا أن يوثقوا الجنازة لنشرها على مواقع التواصل. بثوث مباشرة على فيسبوك وإنستغرام نقلت المشهد لحظة بلحظة، ووسوم مثل #أنس_الشريف و**#عين_غزة** تصدرت في فلسطين والعالم العربي.
مشهد خارج الحزبية
الجنازة لم تكن مناسبة حزبية أو فصائلية، بل تجمع وطني شامل. في الصفوف الأولى مشى أطباء وممرضون من مستشفى الشفاء، بينهم من ترك مرضاه للحظات فقط ليودعوا أنس. حتى الأطفال شاركوا، بعضهم رفعوا صور الشهيد، وآخرون رددوا الهتافات دون أن يدركوا عمق المعنى، لكنهم كانوا جزءًا من المشهد.
وصية الشهيد
قبل استشهاده بأيام، نشر أنس على صفحته في فيسبوك كلمات بدت وكأنها وصية:
"إذا توقفت عدستي عن التصوير، فهذا لا يعني أن الحكاية انتهت، بل أن عليكم أن تواصلوها".
هذه العبارة كانت مكتوبة على لافتة رفعها أحد الشبان خلال الجنازة، كأنها تأكيد على أن الرسالة ستستمر.
التفاعل الدولي
منظمات حقوقية وصحفية حول العالم نددت باغتيال أنس. منظمة "مراسلون بلا حدود" أصدرت بيانًا قالت فيه إن ما جرى "جريمة حرب واضحة"، فيما أعاد صحفيون عالميون نشر صوره مع تعليقات تصف شجاعته وإصراره على التغطية من أخطر الأماكن.
الجنازة كفعل مقاومة
لم يكن تشييع أنس مجرد وداع، بل كان فعل مقاومة بحد ذاته. رفع الأعلام الفلسطينية والهتافات ضد الاحتلال، وإصرار المشاركين على المشي مسافة طويلة رغم الخطر، كان بمثابة تحدٍ لإرادة القمع. أحد أصدقائه قال:
"أنس لم يكن يسعى للشهرة، كان يسعى للحقيقة، واليوم نحن نعده أن نحافظ على هذه الحقيقة".
النهاية التي تحولت لبداية
وصل الموكب إلى المقبرة، ودُفن الجثمان وسط دموع الحاضرين. لكن بدلاً من الصمت، دوى المكان بتكبيرات جديدة، كأن الحاضرين يقولون إن القصة لم تنته. أنس غاب جسدًا، لكنه أصبح رمزًا لكل صحفي يقف على خط النار من أجل كلمة الحق.