"أنقذوا دهب قبل أن تتحول إلى مستنقع" – بهذه العبارة أطلق سكان ومرشدو مدينة دهب السياحية استغاثاتهم المتكررة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات محلية، بعد تفاقم أزمة الصرف الصحي التي تحاصر شوارع المدينة، وتهدد صحتهم ومصدر رزقهم، في ظل تجاهل المسؤولين المحليين وعدم تحرك الجهات المعنية.

فقد أصبحت مياه الصرف تتجمع في برك مكشوفة بجوار المساكن والمحال السياحية، وفي محيط الفنادق والمخيمات، دون وجود أدنى وسائل السلامة أو الصيانة، ما أدى إلى انتشار الروائح الكريهة، وتكاثر الحشرات، وزيادة المخاوف من تسرب التلوث إلى مياه البحر، وهو ما يهدد المدينة الشهيرة عالميًا برياضة الغوص والشعاب المرجانية بخسائر بيئية وسياحية كبيرة.

https://www.facebook.com/watch/?ref=search&v=1290182659165559&

 

استغاثات من قلب المعاناة: “عايشين وسط المجاري”

قال أحمد شوقي، أحد سكان حي المديرية بدهب: “البيوت غمرتها المياه من كتر ما طفحت المجاري، وماحدش بييجي يشفط أو يطهر. بلغنا المسؤولين أكتر من مرة، وردهم دايمًا ‘حنشوف’، وإحنا اللي بنغرق.”

وفي مقطع فيديو صادم نُشر على فيسبوك، ظهر أحد المرشدين السياحيين وهو يصوّر بركة صرف مكشوفة خلف أحد الفنادق، وقال إن السياح يسألون دومًا عن سبب هذه الروائح والمياه الراكدة، مؤكدًا أن بعض الوفود السياحية “غادرت قبل موعدها” بعد مشاهدتها هذه الأوضاع.

وتقول فاطمة حسن، إحدى العاملات بمقهى سياحي صغير: “نحن ندفع الضرائب والإيجارات، ونلتزم بكل شيء، لكن عندما نطلب حقنا في بيئة نظيفة، لا أحد يسمعنا. دهب تغرق حرفيًا، والمسؤولون مشغولون بالتقارير الورقية.”

 

أزمة قديمة.. تتفاقم في صمت

ليست هذه هي المرة الأولى التي تواجه فيها دهب أزمة صرف صحي. لكن ما يثير غضب الأهالي هذه المرة هو طول المدة دون تدخل حاسم.

فبرك الصرف لم تعد تظهر فقط في المناطق السكنية الطرفية، بل باتت تتسلل إلى مداخل الفنادق والمحال التجارية، وبعضها لا يبعد كثيرًا عن شاطئ البحر.

ورغم إدراج مدينة دهب ضمن المشروعات القومية التي أعلنت عنها الدولة لتحسين البنية التحتية، من محطات تحلية وصرف ومعالجة، إلا أن الواقع يُظهر عدم تنفيذ هذه المشاريع فعليًا على الأرض أو بطء شديد في إنجازها.

وتُتهم بعض الجهات المحلية بأنها “تكتفي بالتغطية الإعلامية ورفع اللافتات”، دون حلول جذرية أو متابعة حقيقية للكارثة البيئية التي تتشكل.

 

السياحة في مهب الريح

دهب ليست فقط مدينة مصرية، بل واحدة من أشهر وجهات الغوص والسياحة البيئية في العالم.

ومع هذه الأزمة، بدأت تظهر انعكاسات واضحة على القطاع السياحي:

  • إلغاء حجوزات جماعية لبعض شركات الغوص الأجنبية.
  • تقييمات سلبية على مواقع الحجز السياحي مثل TripAdvisor وBooking.
  • مقاطع مصورة تم تداولها لسياح يسيرون بجوار مياه صرف مكشوفة.

يقول مدير أحد المخيمات السياحية: “نتلقى شكاوى يومية من السياح. لم نعد نعرف كيف نعتذر لهم. صورتهم عن مصر تتأثر بسبب هذا الإهمال.”

 

تهديد للصحة العامة

بعيدًا عن الأثر السياحي، تُشكل أزمة الصرف الصحي خطرًا مباشرًا على الصحة العامة لسكان المدينة، حيث سجلت مراكز طبية خاصة حالات إسهال شديد، وأمراض جلدية، والتهابات في العيون والجهاز التنفسي، يُشتبه في ارتباطها بالتلوث البيئي الناتج عن مياه الصرف المتراكمة.

كما أن وجود هذه البرك المفتوحة في شوارع المدينة يُعد خطرًا على الأطفال، خصوصًا في ظل غياب حواجز أو علامات تحذيرية.

 

البيئة تدفع الثمن: خطر يهدد الشعاب المرجانية

دهب معروفة عالميًا بثروتها البحرية، خاصة الشعاب المرجانية النادرة في “البلو هول” و”اللايت هاوس”. ومع ازدياد كميات مياه الصرف غير المعالجة التي قد تصل إلى البحر، هناك تحذيرات من كارثة بيئية قادمة، حيث يتسبب التلوث العضوي في قتل الشعاب المرجانية وتسميم الأسماك.

وأكد تقرير بيئي سابق أن “استمرار هذا الإهمال سيؤدي إلى اختفاء أجزاء من الشعاب خلال سنوات قليلة، مما سيقضي على جاذبية دهب البيئية”.

 

الحكومة غائبة.. والمحاسبة مفقودة

رغم هذه الكارثة، لم تصدر أي بيانات رسمية أو تحركات فورية من محافظة جنوب سيناء أو وزارة البيئة أو الإسكان. كما أن الجهات الرقابية لم تفتح أي تحقيق حول المسؤولية المباشرة عن هذا الوضع، رغم الشكاوى العديدة من السكان والمرشدين السياحيين.

وحتى الآن، تكتفي بعض المسؤولين بـ"الرد الإعلامي" بأن “المنطقة تحت التطوير” أو “تمت إزالة تراكمات المياه” دون أي تغيير ملموس على الأرض.

 

ما الحل؟

يطالب الأهالي وسكان دهب بعدة خطوات عاجلة:

  • تدخل فوري من رئاسة الوزراء ووزارة البيئة لإعلان المدينة “منطقة بيئية في خطر”.
  • إرسال لجان فنية مستقلة لفحص الوضع على الأرض، ومعرفة أسباب الانهيار الحالي.
  • إطلاق خطة صيانة طارئة تشمل شفط المياه، وتعقيم المناطق، وتغطية الأحواض المكشوفة.
  • محاسبة المقصرين محليًا سواء في الإدارات الهندسية أو الصيانة أو الجهاز التنفيذي.
  • إشراك المجتمع المدني والقطاع السياحي في آلية الرقابة والمراقبة البيئية.

 

دهب تختنق.. فهل تتحرك الدولة؟

في الوقت الذي تُنفق فيه الدولة مليارات على مشروعات قومية واستعدادات سياحية، تقف مدينة دهب على شفا كارثة بيئية وصحية وسياحية، تهدد وجودها كمقصد عالمي فريد.

أهالي المدينة لا يطلبون معجزات، فقط بنية صرف صحي تليق بمدينة سياحية عالمية، ووجود مسؤولين يملكون ضميرًا واستجابة لحياة البشر.

إن استمرار الأزمة دون تدخل عاجل ليس فقط إهمالًا إداريًا، بل جريمة بحق السكان والسياحة والبيئة، وعلى الجميع أن يتحرك قبل أن تضيع دهب، وتتحول من لؤلؤة الجنوب إلى مدينة غارقة في الإهمال والنسيان.

وفي النهاية فإن دهب، تلك المدينة الساحرة التي طالما كانت ملجأ السياح الباحثين عن السكينة والجمال الطبيعي، باتت الآن تواجه تهديدًا بيئيًا واقعيًا بفعل تهاون في بنية الصرف الصحي.

إذا لم تتدخل الجهات المسؤولة بشكل عاجل وحاسم، فإن الخسارة ليست فقط لمواقع سياحية، بل لخزان ثروات بيئية لملايين السنين، ولن تكون النهاية المساحيق على الرمال الزرقاء الساحلية، بل انهيار مادي للدورات الاقتصادية والصحية فيها.

دهب الآن بين اختيارين: إما إصلاح شامل وسياحة مستدامة، أو غرق تدريجي في أزمة بيئية مدعومة بالصمت الرسمي.