تواصل حكومة عبد الفتاح السيسي المضي في سياسة الاقتراض الخارجي، معلنة استعدادها لإصدار صكوك سيادية جديدة بقيمة تصل إلى ملياري دولار قبل نهاية يوليو الجاري، وسط تحذيرات حادة من خبراء اقتصاديين وبرلمانيين من خطورة ما وصفوه بـ"الانفراد بقرارات الدين العام" دون رقابة أو مساءلة.

وتأتي هذه الخطوة في إطار خطة وزارة المالية لإصدار الصكوك على مراحل حتى نهاية عام 2025، إلى جانب التوجه لطرح سندات دولية جديدة من نوعي "يورو بوندز" و"غرين بوندز"، بقيمة مماثلة، في وقت تحاول فيه الحكومة مواجهة أزمة شح العملة الأجنبية وسداد جبل الديون المتراكمة، وسط تشكيك واسع بجدوى هذه السياسات على المدى الطويل.

 

أهداف الصكوك: تغطية الديون وتجميل الأرقام؟
تستهدف وزارة المالية – وفقاً لتصريحات رسمية – استخدام عوائد هذه الإصدارات لسداد سندات دولية مستحقة، وإعادة هيكلة الديون قصيرة الأجل عبر تحويلها إلى ديون متوسطة وطويلة الأمد، إضافة إلى تعزيز الاحتياطي النقدي، وتوفير سيولة لمواجهة عجز الميزان الخارجي، لكن محللين يرون أن هذه الأهداف لا تنفصل عن "الهروب للأمام" عبر تدوير الدين، لا معالجته.

ويُذكر أن الحكومة مطالبة بسداد نحو 21 مليار دولار كديون خارجية خلال العام المالي 2024-2025، بحسب بيانات رسمية، بينما يصل الدين الخارجي إلى ما يقارب 155 مليار دولار، أي نحو 43% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل ديون داخلية تقارب 360 مليار دولار، تمثل نحو 91% من الناتج المحلي.

 

خبراء يحذرون: وزارة المالية تتغول وتقصي الرقابة
حذّر خبراء اقتصاد وماليون من أن عمليات إصدار أدوات الدين، سواء عبر صكوك أو سندات، تتم بشكل مركزي ومغلق داخل وزارة المالية، دون شفافية أو مشاركة حقيقية من البنك المركزي أو البرلمان أو الأجهزة الرقابية.

وفي هذا السياق، قال الدكتور رشاد عبده، خبير التمويل والاستثمار، إن إصدار سندات اليورو يتطلب "هندسة مالية متقدمة" ومهارات تفاوض دقيقة، لا تتوفر لدى الكثير من مسؤولي ملف الديون في وزارة المالية، الذين يعتمدون على وسطاء بنوك استثمارية أجنبية، ويُهمَّش دورهم لصالح قرارات الوزير المباشرة.

وأشار عبده إلى غياب مبدأ الفصل بين الأدوار داخل الوزارة، إذ يجمع الوزير بين صلاحيات التخطيط والتفاوض والتوقيع النهائي، دون مساءلة أو شفافية، ما يفتح الباب أمام صفقات ذات شروط مجحفة لمصلحة المستثمرين والبنوك الدولية، بينما يتحمل المواطنون تبعاتها الاقتصادية لعقود.

 

البرلمان "ديكور سياسي"؟
في الوقت ذاته، أعرب برلمانيون عن إحباطهم مما وصفوه بـ"تهميش كامل للرقابة النيابية" على ملف الديون، مؤكدين أن البرلمان تحول إلى مجرد جهة "اعتماد صوري" لما تم الاتفاق عليه مسبقاً داخل الحكومة.

وقال النائب ناجي الشهابي، رئيس حزب الجيل، إن البرلمان بغرفتيه بات بلا سلطة حقيقية، ويقرّ ما يُعرض عليه دون مناقشة فاعلة أو تأثير جوهري، مشيراً إلى أن 65% من موازنة الدولة تُستهلك في سداد أقساط وفوائد الدين العام، بما يهدد قدرة الدولة على تنفيذ أي مشاريع تنموية حقيقية.

وأضاف: "الحكومة تصف هذه القروض بالإنجاز الاقتصادي، بينما لا يشعر بها المواطن، بل يدفع ثمنها ارتفاعاً في الأسعار وتآكلاً في الخدمات، واستنزافاً للاحتياطي النقدي".

 

دعوات لتغيير المسار: كفى بيعاً للديون
في مقابل هذه السياسات، دعا خبراء اقتصاديون الحكومة إلى تغيير نهجها في إدارة المالية العامة، والابتعاد عن الاعتماد الكلي على أدوات الدين كوسيلة لتوفير العملة الأجنبية، محذرين من أن مصر تسير على "شفا الإفلاس" إن استمرّت في هذا الاتجاه.

وقال الخبير الاقتصادي هاني توفيق إن بيع أدوات الدين والأموال الساخنة لم تعد حلاً، بل وسيلة لتعميق الأزمة، مطالباً بتوجيه عوائد الاقتراض نحو مشروعات إنتاجية ذات عائد حقيقي، وليس فقط لسداد ديون قديمة، بما يعمّق الحلقة المفرغة من الدين والفائدة والتآكل النقدي.

وأكد توفيق أن الإنقاذ الحقيقي يبدأ من إزالة المعوقات أمام الاستثمار المحلي والأجنبي، وتحقيق بيئة اقتصادية مستقرة، يمكن أن تبني قاعدة تنموية حقيقية بدلاً من الارتهان لقروض قصيرة الأمد وشروط مرهقة.

 

سندات وفوائد مرتفعة.. الديون تتضخم
يُذكر أن وزارة المالية طرحت في يونيو الماضي صكوكاً سيادية إسلامية بقيمة مليار دولار في بورصة فيينا، لصالح بيت التمويل الكويتي، بعائد 7.87% ولمدة 3 سنوات. ويتوقع أن يتم تحويل ودائع كويتية بقيمة 4 مليارات دولار إلى صكوك لاحقاً، وسط مخاوف من استمرار توريق الأصول الحكومية بشكل غير مدروس.

كما أصدرت الوزارة ما بين عامي 2022 و2024 سندات دولية بقيمة 1.5 مليار دولار بفوائد تخطت 11%، لتغطية احتياجات العام المالي الحالي، وهي نسب تعتبر من الأعلى في الأسواق الناشئة، ما يزيد من تكلفة الاقتراض والتزامات الدولة المستقبلية.