في مشهد أصبح معتادًا في "جمهورية الإهمال"، شهد الطريق الصحراوي الشرقي في محافظة قنا، صباح يوم الجمعة 28 يونيو 2025، حادثًا مروعًا أسفر عن إصابة 11 مواطنًا إثر تصادم ميكروباص بسيارة نقل. الحادث وقع بالقرب من منطقة الكيلو 90، وقد نقلت سيارات الإسعاف المصابين إلى مستشفى قنا الجامعي وسط صرخات الألم وحالة من الفزع بين الركاب والمارة. وأكدت الجهات الرسمية نشر أسماء المصابين، بينهم أطفال وسيدات، بعضهم في حالة خطيرة.
أسماء المصابين... ضحايا لا يعرفون سبب نجاتهم
بحسب بيانات المستشفى، فإن المصابين في الحادث هم:
- نجلاء محمد عبد الله، 34 سنة – كسور متعددة.
- خالد أحمد عبد الستار، 40 سنة – نزيف داخلي.
- سارة جمال حسين، 25 سنة – ارتجاج بالمخ.
- أحمد سعيد مرسي، 9 سنوات – كسور في القدم.
- منى عبد الباسط محمود، 60 سنة – كدمات وسحجات.
- كريم محمد عبد الباقي، 19 سنة – كسر في العمود الفقري.
- عفاف حسن عبد القوي، 50 سنة – نزيف بالمخ.
- سامي فؤاد إبراهيم، 38 سنة – جروح سطحية.
- فريدة شعبان محمود، 28 سنة – حالة نفسية سيئة.
- حسين علي مصطفى، 44 سنة – كسر في الحوض.
- طفل رضيع (لم يُذكر اسمه) – إصابات طفيفة.
الحادث أعاد إلى الأذهان سلسلة متكررة من الحوادث التي لا تنتهي، ويكاد يُختزل فيها مشهد البنية التحتية المهترئة وسوء التخطيط وغياب المحاسبة.
طرق الموت.. أين خطة السيسي المزعومة لتطوير الطرق؟
رغم الدعاية الضخمة التي يطلقها نظام عبد الفتاح السيسي حول "الثورة في البنية التحتية"، ما زالت الطرق المصرية تحصد الأرواح وتترك العشرات مصابين، إما بعاهات مستديمة أو مصير مجهول.
ففي تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغت حوادث الطرق في مصر عام 2023 أكثر من 9,900 حادث، راح ضحيتها قرابة 5,300 شخص، فيما أصيب نحو 17 ألف مواطن.
الطريق الصحراوي الشرقي – حيث وقع الحادث الأخير – معروف بخطورته، لكنه ظل خارج خطط الصيانة والتطوير الفعلية. وعلى الرغم من تصريحات الحكومة بتخصيص مليارات الجنيهات لتطوير الطرق، يبقى السؤال: لماذا تظل طرق الصعيد بالتحديد خارج منظومة الأمان؟
حكومة لا تحاسب أحدًا..
في بلد يُدار بعقلية أمنية مغلقة، لا توجد مساءلة حقيقية للمسؤولين عن حوادث الطرق، فحتى بعد هذا الحادث المأساوي، لم يصدر أي بيان رسمي يوضح الأسباب الفنية أو الإدارية، لم نسمع عن تحقيق جاد، أو إقالة لمسؤول، أو حتى توجيه اللوم لهيئة الطرق والكباري.
هذا التعتيم هو امتداد لنهج النظام الذي يرفض الاعتراف بالفشل، ويغلف كل كارثة بخطاب "الإنجازات الوهمية"، فالحكومة التي تتباهى بإنشاء عشرات الكباري والطرق الجديدة لم تكشف حتى اليوم عن خطة واضحة لصيانة الطرق القائمة أو لتأمينها بمواصفات سلامة مرورية.
الصعيد المنسي.. الإهمال الجغرافي والسياسي
لم تكن محافظة قنا استثناءً في الإهمال المتعمد الذي تتعرض له محافظات الصعيد من نظام السيسي، ففي الوقت الذي تنفق فيه الحكومة عشرات المليارات على العاصمة الإدارية والمشاريع الفندقية في الساحل الشمالي، لا يجد أهالي قنا وأسيوط وسوهاج سوى طرق متهالكة ومستشفيات عاجزة.
في السنوات الأخيرة، أطلق النظام مشروع "تطوير الصعيد"، لكنه بقي حبرًا على ورق، إذ تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 40% من سكان الصعيد يعيشون تحت خط الفقر، أما في مجال الرعاية الصحية، فإن مستشفيات المحافظات الجنوبية تعاني نقصًا حادًا في المعدات والأطباء، ما يجعلها عاجزة عن التعامل مع الإصابات الحرجة الناجمة عن الحوادث.
تصريحات رخيصة
لطالما أطلق مسؤولو نظام السيسي تصريحات وردية عن جهود "تحسين السلامة المرورية" و"تطوير شبكة النقل"، لكن على أرض الواقع، تتكرر الكوارث، ففي أبريل 2021، خرج وزير النقل كامل الوزير ليقول: "لن نسمح بتكرار الحوادث"، بعد كارثة قطاري سوهاج التي راح ضحيتها العشرات، واليوم، بعد 4 سنوات، لا تزال التصريحات تتكرر.. والحوادث كذلك.
ويبقى السؤال الذي لا يريد النظام الإجابة عليه: كم من الضحايا يجب أن يسقطوا حتى يعترف أحد بالفشل؟