شهد رئيس حكومة عبدالفتاح السيسي، مصطفى مدبولي، توقيع اتفاقيات لطرح 5 شركات تابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش، في واحدة من أبرز محاولات لبيع أصول الدولة، وفي خطوة وُصفت بأنها "الأكثر جرأة".
الطرح الجديد، الذي يتم تحت إشراف صندوق مصر السيادي، يُعد استكمالًا لخطة حكومية تستهدف بيع ما بين 40 إلى 60 شركة مملوكة للدولة، وسط تساؤلات حول مدى جدية الدولة في تقليص قبضة الجيش على الاقتصاد، ومدى شفافية العملية، ومن المستفيد الحقيقي منها.
ما هي الشركات المطروحة؟
الصفقة تشمل 5 شركات بارزة:
- الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية (وطنية)
- الوطنية لتعبئة المياه الطبيعية (صافي)
- سيلو فودز للمواد الغذائية
- تشيل آوت لمحطات الوقود
- الوطنية للطرق
بعض هذه الشركات، مثل "وطنية" و"صافي"، كان مطروحًا منذ عام 2020 دون تنفيذ فعلي، رغم تقديم عروض من مستثمرين محليين ودوليين.
ووفق إعلان مدبولي، سيتم طرح "وطنية" و"صافي" بالبورصة منتصف العام الجاري، فيما تُطرح شركتا "سيلو فودز" و"تشيل آوت" بنهاية 2025.
دوافع اقتصادية أم استجابة للضغوط؟
تزامن الإعلان مع صرف الشريحة الرابعة من قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 1.2 مليار دولار، وهو ما دفع مراقبين لربط الخطوة بضغوط الصندوق المتكررة على مصر لفك ارتباط الجيش بالاقتصاد.
إذ لطالما كانت سيطرة الجيش على قطاعات استراتيجية إحدى العقبات أمام تدفق الاستثمارات، بحسب تقارير دولية عدة.
ورغم أن تصريحات سابقة للحكومة تحدثت عن إتاحة هذه الشركات للمواطنين والمستثمرين المحليين، إلا أن الاتفاقات الأخيرة ركّزت على جذب الاستثمارات من القطاع الخاص المحلي والدولي، ما أثار مخاوف من أن الطرح قد يتم توجيهه لمستثمرين بعينهم دون إتاحة فرصة حقيقية للمشاركة الشعبية.
الخبير الاستراتيجي مراد علي يرى أن أهمية الصفقة تتوقف على كيفية تنفيذها: "إذا تمت بطريقة شفافة وبمشاركة حقيقية للقطاع الخاص، فقد تكون فرصة لتعزيز الاقتصاد وتخفيف الأعباء المالية.
أما إن كانت مجرد صفقة بيع أصول لمستثمرين أجانب دون استراتيجية واضحة، فستكون خسارة صافية".
ويحذر علي من أن تكرار سيناريوهات سابقة، كبيع أصول إلى صناديق سيادية خليجية دون شفافية، سيؤدي إلى مزيد من الاحتكار وتضييق الفرص على المستثمر المحلي.
الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي يسلط الضوء على ثلاث إشكاليات جوهرية:
- تقييم الأصول: هل سيكون دقيقًا أم متضخمًا؟
- العمالة: ما مصير الجنود المجندين العاملين في تلك الشركات؟
- المنافسة: هل ستظل الشركات محتكرة لامتيازات سابقة حتى بعد خصخصتها؟
ويضيف: "إذا تم الطرح عبر البورصة لكن شُراؤه من مؤسسات عامة وصناديق حكومية، فسنكون أمام خصخصة شكلية، ونقل ملكية من مؤسسة عسكرية إلى جهة عامة أخرى دون تغيير فعلي".
قلق من ضياع الفرص
رجال أعمال متعاملون سابقًا مع شركات الجيش يرون أن الخصخصة قد تُضعف فرص القطاع الخاص المتوسط والصغير.
محمد بدوي، رئيس شركة تطوير عقاري، اعتبر أن "طرح الوطنية للطرق مثلًا سيؤثر سلبًا على عشرات الشركات التي كانت تعمل معها كمقاولين من الباطن تحت مظلة موثوقة".
وأوضح: "رغم انتقادات الجيش، لكن التعامل معه كان يضمن الالتزام والعقود وتنفيذ المشروعات العملاقة بكفاءة. خروج الجيش دون بديل واضح قد يضر بالبنية التحتية والتنفيذ".
التوتر مع الجيش.. في الخلفية
طرح الشركات العسكرية ليس مجرد خطوة اقتصادية، بل سياسيًا حساسًا. تقارير دولية، مثل تلك التي نشرها مركز "كارنيغي"، تحدثت عن غضب داخل المؤسسة العسكرية من تقليص نفوذها الاقتصادي، خاصة بعد الإطاحة برئيس الأركان أسامة عسكر في تعديل وزاري منتصف 2024.
وتحت عنوان "السيسي يخسر الجولة"، تحدث الباحث يزيد صايغ عن صراع بين السيسي وقيادات الجيش بشأن "بيع إمبراطورية العسكر"، والتنازل عن النفوذ الاقتصادي في مناطق استراتيجية، مثل قناة السويس وسيناء.