الأسواق بين تراجع معدلات التضخم واستمرار الغلاء: تناقض الأرقام والواقع
الاثنين 17 مارس 2025 12:00 م
تعيش الأسواق المصرية حالة من التناقض بين الأرقام الرسمية التي تشير إلى انخفاض معدلات التضخم، والواقع المعيشي الذي يواصل تسجيل ارتفاعات متزايدة في الأسعار، ما يفاقم أعباء المواطنين وسط ضغوط اقتصادية مستمرة.
التضخم في البيانات الرسمية
كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن تراجع كبير في معدلات التضخم لشهر فبراير 2025، حيث انخفضت أسعار المستهلكين بالمدن من 24% في يناير إلى 12.8% في فبراير، وهو أدنى مستوى منذ فبراير 2022. يأتي هذا التراجع بعد موجة تضخم حادة تجاوزت 41% في أعقاب اندلاع الحرب في أوكرانيا وانخفاض الاحتياطي النقدي وهروب 22 مليار دولار من الأموال الساخنة خارج البلاد.
وفقاً لتحليلات الخبراء، فإن هذا الانخفاض تجاوز جميع التوقعات، مما دفع بعض المحللين للتفاؤل بتحسن الأوضاع الاقتصادية، لا سيما في حال استقرار سعر الصرف وتوفير العملة الصعبة. كما تأمل الحكومة في أن يسرع البنك المركزي خفض معدلات الفائدة إلى 16% خلال الربع الأخير من العام المالي 2024-2025.
الغلاء يرهق الأسواق رغم الأرقام الرسمية
رغم المؤشرات الإيجابية في البيانات الرسمية، لا تزال الأسواق تعاني من موجة غلاء متصاعدة، حيث يؤكد خبراء اقتصاديون أن تراجع معدلات التضخم لا يعكس حقيقة ارتفاع الأسعار في الأسواق. يقول الخبير الاقتصادي وائل النحاس إن الحكومة تراهن على خفض الفائدة، بينما تستمر في رفع أسعار الغاز والطاقة، مما يضغط على الجنيه ويفاقم الغلاء.
كما أن السياسة النقدية للبنك المركزي التي تتضمن طرح سندات خزانة بفوائد تفوق 30% لتمويل المصروفات العامة تعكس تحديات كبيرة في السيطرة على التضخم. وتستمر الحكومة في تبني سياسات مالية تزيد من الضغوط على المواطنين من خلال فرض زيادات في أسعار السلع الأساسية والخدمات العامة.
التناقض بين سياسات الحكومة والبنك المركزي
يرى الخبير الاقتصادي رشاد عبده أن هناك فجوة واضحة بين سياسات الحكومة والبنك المركزي، إذ يحاول الأخير خفض معدلات الفائدة لتشجيع الاستثمار والإنتاج، في حين أن الحكومة تلجأ إلى الاقتراض ورفع أسعار السلع الأساسية، مما يزيد من التضخم. ويؤكد خبراء أن غياب رؤية اقتصادية متكاملة يشكل العائق الأكبر أمام التعافي الاقتصادي، حيث لا تزال الدولة تعتمد على الاقتراض وبيع الأصول بدلاً من زيادة الإنتاج الصناعي والزراعي.
تداعيات التضخم على دخل المواطنين
رغم التراجع الرسمي لمعدلات التضخم، لا يزال مؤشر أسعار المستهلكين مرتفعًا منذ 2016، ما أدى إلى تآكل الأجور وضعف القدرة الشرائية. وتشير تقديرات الباحثين الاقتصاديين إلى أن حوالي 70% من المصريين لا يستفيدون من الحد الأدنى للأجور، حيث يبلغ عدد العاملين بأجر منتظم نحو 28.9 مليون فرد فقط من إجمالي 105 ملايين نسمة.
كما أن المقارنة بين أسعار السلع الأساسية خلال شهر رمضان لعامي 2024 و2025 توضح تفاوتاً كبيراً، حيث شهدت أسعار بعض السلع مثل الفول والأرز والسكر تراجعًا طفيفًا بنسبة 2% إلى 6%، بينما ارتفعت أسعار الدواجن والمكرونة والعصائر المركزة بنسبة تصل إلى 50%.
الإجراءات الحكومية لمحاولة السيطرة على الأسعار
في ظل تصاعد الضغوط المعيشية، توسعت الحكومة في إقامة معارض بيع السلع بأسعار مخفضة في مختلف المحافظات، فضلاً عن زيادة الدعم النقدي للأسر الفقيرة من خلال برنامج "تكافل وكرامة"، كما أعلنت وزارة الأوقاف رفع قيمة زكاة الفطر لمساعدة الفقراء على مواجهة الغلاء.
ورغم هذه المحاولات، يؤكد اقتصاديون أن الحل الجذري لأزمة التضخم يتطلب إعادة هيكلة الاقتصاد وزيادة الإنتاج المحلي بدلاً من الاعتماد على الاقتراض والضرائب، كما أن رفع الحد الأدنى للأجور إلى 7 آلاف جنيه وزيادة الرواتب لا يزال غير كافٍ في ظل الارتفاع المستمر للأسعار.